شبّه الباحثون الشبكات العصبية التقليدية بفريق عمل يخضع بالكامل لتوجيه مدير صارم، يُحدد المهام بدقة ويُشرف على كل خطوة…
في إنجاز بارز يجمع بين علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي، أعلن فريق بحثي دولي عن تطوير نوع جديد من الخلايا العصبية الاصطناعية، قادرة على التعلم والتنظيم الذاتي دون الحاجة لتعليمات خارجية، في ما قد يمثل خطوة ثورية نحو بناء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة ومرونة.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية PNAS العلمية، تُعرف هذه الخلايا الجديدة باسم “الخلايا الإنفومورفية” (Infomorphic Neurons)، وهي خلايا اصطناعية تعتمد على المعلومات في تنظيم ذاتها، وتُصمم لمحاكاة السلوك الطبيعي للخلايا العصبية في الدماغ البشري.
في حين أن الخلايا العصبية الاصطناعية التقليدية — المستخدمة في شبكات التعلم العميق — تتطلب توجيهًا مباشرًا من خوارزميات تُحدد ما تتعلمه وكيفية تصرفها، فإن الخلايا الإنفومورفية تعتمد على إشارات محلية فقط، ما يعني أن كل خلية تتخذ قراراتها بشكل مستقل بناء على البيانات المتوفرة لديها.
ولتبسيط الفكرة، شبّه الباحثون الشبكات العصبية التقليدية بفريق عمل يخضع بالكامل لتوجيه مدير صارم، يُحدد المهام بدقة ويُشرف على كل خطوة. أما الشبكة الإنفومورفية فهي أقرب إلى فريق ذاتي التنظيم، حيث يراقب كل عضو البيئة المحيطة ويتخذ قراراته وفقًا للحاجة، فيتعاون الفريق بسلاسة ويبتكر حلولًا دون الحاجة لتوجيه خارجي مباشر.
ويقول الباحثون إن هذه الآلية تمنح النظام قدرًا عاليًا من المرونة وتقلل من استهلاك الطاقة، مما يجعلها أقرب إلى طريقة عمل الدماغ الطبيعي، حيث تتعلم الخلايا العصبية وتتكيف دون إشراف مركزي.
في التجارب الأولية، لم يمنح الباحثون هذه الخلايا قواعد تعلم محددة، بل حدّدوا لها أهدافًا عامة وتركوها تكتشف بنفسها السبل التي تؤدي لتحقيق تلك الأهداف. وقد استعان الفريق بمقياس رياضي يستند إلى نظرية المعلومات، لمساعدة الخلايا على اتخاذ قرارات ذاتية، مثل ما إذا كانت ستتعاون مع خلايا أخرى، أو تعمل باستقلالية، أو تتخصص في معالجة نوع معين من البيانات.
وأظهرت النتائج أن الخلايا الإنفومورفية استجابت بفاعلية، وتمكنت من تطوير أنماط سلوك تعاونية وتخصصية، ما يعزز إمكانيات استخدامها في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي ذات قدرات تعلم وتكيّف أكثر تقدمًا، خاصة في البيئات المعقدة أو المتغيرة.
هذا التقدم يفتح الباب أمام نوع جديد من الذكاء الاصطناعي، يُشبه في سلوكه طريقة عمل الدماغ، ويتحرّر من الحاجة إلى إشراف خارجي مستمر، مما قد يُسرّع تطور أنظمة أكثر استقلالية وفعالية في المستقبل.