بعد أكثر من 171 يوما للحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على غزة بدعم مطلق وغير مشروط من إدارة بايدن، التي تبنت رواية إسرائيل وقدمت لها دعما سياسيا وعسكريا غير مسبوق، مسؤولون يحذرون: “نتنياهو وضع إسرائيل على مسار تصادمي مع واشنطن”.
حذّر مسؤولون إسرائيليون من أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وضع إسرائيل على مسار تصادمي مع الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يؤثر على الحرب التي تشنها على غزة، بمساريها السياسي والعسكري، وخصوصا ما يتعلق بالاجتياح الإسرائيلي الوشيك لمدينة رفح، جنوبي القطاع الفلسطيني الذي وصل سكانه إلى حافة المجاعة.
وبعد أقل من نصف عام على هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي دفع الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى تقديم دعم غير مسبوق لإسرائيل، يبدو أن العلاقات بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو باتت أسوأ من أي وقت مضى، الأمر الذي أحاله مسؤولون في واشنطن إلى دوافع سياسية تحرك رئيس الحكومة الإسرائيلية في ظل تحالفه مع اليمين المتطرف.
يأتي ذلك في أعقاب قرار نتنياهو إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وفد رفيع المستوى (يضم وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر ومستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي) إلى واشنطن لمناقشة الهجوم المحتمل على رفح، وسط تصاعد في توتر العلاقات بين إسرائيل وأكبر حليف لها.
وانتقد مسؤول رفيع المستوى تحدث لهيئة البث العام الإسرائيلية (“كان 11”) قرار نتنياهو بإلغاء زيارة الوفد الذي كان من المقرر أن يناقش كذلك مع المسؤولين في واشنطن، “ملفات حساسة تتعلق بسبل العمل العملياتي في رفح”، وحذّر المسؤول من أن عدم مغادرة الوفد “يؤخر” العملية في رفح.
وبحسب المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، فإن البيت الأبيض لا يرى مؤشرات أو خطة لاجتياح إسرائيلي لمدينة رفح خلال الأيام المقبلة؛ وقال، الإثنين، “لم نر أي مؤشر على أن الإسرائيليين على وشك القيام بعملية برية في رفح”، فيما عبّر عن خيبة البيت الأبيض لإلغاء زيارة الوفد الإسرائيلي.
وكان نتنياهو قد أعلن، مساء الإثنين، إلغاء زيارة الوفد، في بيان شديد اللهجة صدر عن مكتبه بعد امتناع واشنطن عن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة؛ واعتبر نتنياهو أن واشنطن تراجعت “عن موقفها الثابت منذ بداية الحرب” بما “يضر بالمجهود الحربي لإسرائيل ويعطي حماس الأمل”.
وفي حين قال مسؤول في البيت الأبيض: “نشعر بخيبة أمل شديدة لأنهم لن يأتوا إلى العاصمة واشنطن ليتسنى لنا إجراء نقاش وافٍ معهم بشأن البدائل الحيوية لهجوم برّي على رفح”، قال مقربون من نتنياهو: “بإمكان الأميركيين عرض مخططات بديلة لاجتياح رفح إلى وزير الأمن، يوآف غالانت، الموجود هناك. ليست هناك حاجة لإرسال وفد خاص”.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن الوزير أنتوني بلينكن من المرجح أن يعرض على غالانت “مخاوف” واشنطن بسبب عملية عسكرية إسرائيلية مزمعة في رفح، لكنه لن يقدم خطط واشنطن البديلة لعملية عسكرية في رفح بعد أن ألغى نتنياهو اجتماعا منفصلا بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين في هذا الشأن.
واعتبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، أن “من المفاجئ والمؤسف” اتخاذ نتنياهو قرارا بعدم إرسال الوفد الإسرائيلي، وقال: “أنا واثق من أننا سنجد سبلا أخرى لتعريف حكومة إسرائيل بمخاوفنا على مستويات رفيعة للغاية، لكنني لا أملك أي شيء لأعلنه اليوم في ذلك الصدد”.
ونقلت “كان 11” عن مسؤول أميركي أن “رد فعل نتنياهو مبالغ فيه”، معتبرا أنه “ينبع من التوترات السياسية في إسرائيل”، في حين هاجم مقربون من نتنياهو سياسة إدارة بايدن، معتبرين أن واشنطن “باتت تدعم حماس”، وفي حين يؤكد البيت الأبيض أنه أطلع تل أبيب على قراره بشأن عدم استخدام الفيتو مسبقا، تنفي تل أبيب ذلك: “علمنا في اللحظة الأخيرة”.
وكان من المقرر أن يضم الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن مسؤولين رفيعي المستوى من الموساد والشاباك كان من المقرر أن يناقشوا مع الجانب الأميركي صفقة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، بحسب “كان 11″؛ وأشارت إلى أن الامتناع عن عقد هذه المحادثات قد يؤثر على مسار المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس في الدوحة.
“هذا لن يضر إلا إسرائيل”
واعتبر موقع “واللا” الإسرائيلي أن الأزمة الحالية بين تل أبيب وواشنطن تعيد إلى الأذهان “الحرب” بين نتنياهو والرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، عام 2015، حول المشروع النووي الإيراني، أو المواجهة العلنية بين الجانبين في كانون الأول/ ديسمبر، حول قرار واشنطن الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن لإسقاط مشروع قرار ضد الاستيطان.
ونقل الموقع عن مسؤول أميركي أن “ما فعله نتنياهو اليوم هو طريقة غريبة للتعامل مع حليف قدم لإسرائيل الكثير من الدعم منذ بداية الحرب”. وتابع المسؤول “إذا كان نتنياهو يعارض إلى هذا الحد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت (عدم استخدام الفيتو ضد قرار وقف إطلاق النار)، فلماذا لم يتصل بالرئيس بايدن ويخبره بذلك؟”.
وقال المسؤول الأميركي إن “السياسة الأميركية واضحة: نحن ننظر إلى القرار على أنه يدعو إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن في نفس الفقرة”، علما بأن الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي قال إن البيت الابيض “فوجىء إلى حد ما” باستياء إسرائيل من السلوك الأميركي في مجلس الأمن.
وقال “يبدو أن دوائر رئيس الحكومة (الإسرائيلية) تسعى إلى إشاعة انطباع عن تباين، في حين أن هذا الأمر ليس ضروريا”، مكررا أن الامتناع الأميركي لا يمثل “تغييرا في الموقف السياسي”، حتى لو كانت واشنطن عطلت مرارا في الأشهر الأخيرة تبني قرارات للأمم المتحدة عن غزة. وشدد على أن القرار الذي صدر الإثنين ليس “ملزما”.
وكذلك شدد كيربي على أن القرار “ليس له أي تأثير على إسرائيل وقدرتها على قتال حماس”.
نتنياهو استخدم التصويت في مجلس الأمن لإلغاء زيارة الوفد
وأكد مسؤول أميركي أن “البيت الأبيض فوجئ برد فعل نتنياهو واعتبره مبالغا فيه للغاية”. وبحسب المسؤول الأميركي، “اختار نتنياهو رفض التفسير الذي أعطته الولايات المتحدة للقرار، وخلق أزمة مع إدارة بايدن ومن ثم إخبار الولايات المتحدة بالسياسة التي تتبعها رغم أنها تدعي عكس ذلك”.
وشدد المسؤول على أن “كل هذا لن يضر إلا إسرائيل. كان بإمكان نتنياهو أن يختار طريقا مختلفا للتوافق مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بتفسير القرار الذي يربط وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الرهائن. لقد اختار عدم القيام بذلك لأسباب سياسية داخلية على ما يبدو”.
في حين اعتبر مسؤول أميركي آخر أن نتنياهو استخدم التصويت في الأمم المتحدة كذريعة ووسيلة للتهرب من إرسال الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن لمناقشة مسألة رفح، وقال: “كان نتنياهو خائفًا من أننا قد نقدم بدائل جيدة لعملية برية في رفح. إنه يفضل مواجهتنا حتى لو كان ذلك ضد مصالح إسرائيل”.