على غير العادة، تشهد مدينة الناصرة حركة تجارية ضعيفة في بداية شهر رمضان المبارك، فالإقبال على شراء الحاجات الأساسية للعائلة في الشهر الفضيل، التمور والحلاوة ومشروب “قمر التمر الهندي”، بكميات قليلة.
تكاد بهجة حلول شهر رمضان المبارك تنعدم كليا في مدينة الناصرة، ليس فقط بسبب ويلات الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، والمشاهد المرعبة والمتعبة التي تخيم على الأجواء العامة، وإنما أيضا لما ينعكس عليها من أوضاع اقتصادية صعبة، وضعف القوة الشرائية، وحالة البؤس التي أهلكت النفوس، تنضاف إليها حالة الغموض والخوف من المجهول.
كل ذلك جعل من رمضان الحالي شهر خوف وترقب لما يخبئه المستقبل، بعد أن حوّلت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة و”أجهزة أمنها” هذا الشهر الفضيل، من شهر عبادة وتقرب إلى الله، إلى حدث أمني خطير يستدعي الإعلان عن حالة طوارئ، وبالتالي حالة تأهب قصوى تنبعث منها رائحة استهداف المسجد الأقصى في القدس خلال أقدس الأيام لدى المسلمين.
على غير العادة فإن مدينة الناصرة لم تشهد حركة تجارية نشطة في بداية شهر رمضان المبارك، وقد كان الإقبال على شراء الحاجات الأساسية للعائلة في الشهر الفضيل، ألا وهي التمور والحلاوة ومشروب “قمر التمر الهندي”، بكميات قليلة في حين غابت مشاهد ملء السلال بكل ما يعجب العين ويفيض عن الحاجة.
يقول سمير كنانة، صاحب سوبر ماركت “الورود” للأغذية، لـ”عرب 48″ إن “الحنين إلى شهر رمضان المبارك آخذ في التراجع في السنوات الأخيرة، كذلك القوة الشرائية في تراجع منذ أن اجتاح وباء كورونا البلاد قبل أربع سنوات، لم تعد حالة الانتعاش إلى السوق، بل هي في تراجع مستمر”.
وأضاف أنه “من بين المؤشرات على أن القوة الشرائية في حالة ضعف هو عدم توفر النقود في أيدي الناس”، مشيرا إلى أن “أكثر من 50% من عملاء المحل دفعوا بواسطة بطاقات الاعتماد في اليومين الماضيين، وذلك على الرغم من أن معظم أرباب الأسر يتقاضون رواتبهم في العاشر من كل شهر، وها هو رمضان يأتي في الأيام التي تصرف فيها الرواتب، لكن لا يبدو أن لدى الأسر القدرة على الدفع بمبالغ نقدية”.
وكدليل على قسوة الظروف وضعف القدرة الشرائية، لفت كنانة إلى ظاهرة لم يسبق أن شاهدها من قبل، وقال إن “هناك ما لا يقل عن ثلاث عائلات جاءت وهي تحمل حصّالات النقود التي ادخرتها على مدار أشهر وقام أصحابها بفتحها هنا واستبدال النقود المعدنية التي تحتويها الحصالة بأوراق نقدية لشراء حاجيات رمضان”.
مع غياب الأجواء الرمضانية عن مدينة الناصرة، تغيب معها مظاهر الزينة، والإضاءة التي ازدانت فيها نوافذ وجدران البيوت في السنوات الماضية، وكانت هذه الإضاءة محط منافسة في بعض القرى والبلدات فمنها ما جعلت البيوت تتوهج من حيث نظرت إليها، أما اليوم ومع حلول الشهر الفضيل فإن مظاهر الزينة تغيب بشكل كامل وإن كان البعض وخاصة الأولاد يرغبون فيها إلا أنهم يمتنعون عنها منعا للشعور بالحرج.
ويقول حافظ محروم، وهو تاجر موسمي وصاحب محل للعطور النسائية والإكسسوارات، لـ “عرب 48” إن “هناك حاجة وضرورة لإدخال البهجة والفرح إلى نفوس الأطفال والأولاد في رمضان، وتعريفهم على معاني الشهر الفضيل ورموزه، لذلك فإن الأهالي يؤثرون تزيين بيوتهم من الداخل ونلاحظ هذا العام الإقبال الشديد على شراء الفوانيس والأهلة المضيئة ورموز شهر رمضان، ولكنها تزيّن البيوت من الداخل لكي يشعروا بأجواء رمضان دون أن يتظاهروا بالفرح”.
وأضاف أن “الإقبال على شراء حبال الزينة لإضاءة البيوت من الخارج شبه معدوم، على غير العادة، والعائلات التي كانت تهتم بقدر كبير بالإضاءة والزينة في السنوات الماضية لم تعد تلتفت لهذا الأمر في ظل الأوضاع الراهنة”.
وحاول محروم تشبيه ضعف الحالة الشرائية ومقارنتها بالسنة التي شهدت جائحة “كورونا” والإغلاقات التي رافقتها ووصل إلى نتيجة أن عام “كورونا” كان أفضل من الحالة اليوم، ليس فقط على مستوى محله التجاري، بل إنه يصف حال الحركة التجارية في المدينة بأنها “بائسة” و”كارثية”.
ويؤكد محروم أنه من خلال تعامله مع الزبائن يكتشف بأن حالة الغموض والخوف من المجهول هو أكثر ما يقلق الناس في المرحلة الحالية، وأن العائلات التي ادخرت بعض الأموال لشهر رمضان والعيد، إنما تحتفظ بما ادخرته خوفا من المستقبل المجهول.
وبدا جرجورة قنازع، صاحب مطحنة الجليل “البابور”، أكثر تفاؤلا مع حلول شهر رمضان المبارك، وقال لـ”عرب 48” إن “رمضان فيه بركة، وإن كانت الحركة التجارية أقل نشاطا والحالة النفسية أقل استقرارا من سنوات سابقة، إلا أن رمضان يظل شهر خير ويوحد القلوب ويعزز الألفة بين الناس”.
ويعزو قنازع ضعف الحركة التجارية ليس فقط إلى حالة الحرب على غزة وإنما يقول “لم يعد المواطن العادي يشتهي شيئا، لأن كل شيء متوفر لديه طيلة أيام السنة، لكن لرمضان سِر فهو عندما يأتي ويحل تحل معه الأجواء الطيبة والتسامح والمحبة، ونحن نتفاءل في رمضان سواء كانت الحركة الشرائية ضعيفة أو جيدة، ولا نقول إن المستفيد فقط هو الذي يفرح لقدوم الشهر الفضيل، فرمضان له بهجة ومجيئه يحمل بشرى خير”.
وعن المواد التي يكثر عليها الطلب في رمضان يقول قنازع “إنها الحلويات والسكاكر والفواكه المجففة والأرز والفريكة والبهارات التي تباع بكميات كبيرة في رمضان”.
هنالك من ينتظر حلول شهر رمضان المبارك عشقا بحلوياته المميزة وأشهرها القطايف والعوامة التي تعرف أيضا بـ”الزلابية” والتي يبدأ، على سبيل المثال، أصحاب حلويات “أبناء بكر المحروم” منذ ساعات الصباح بإعداد عجينة القطايف بكميات كبيرة بحيث يكثر الإقبال على شرائها في ساعات ما قبل الإفطار.
ويقول علي محروم، صاحب المحل الجديد القائم على الطريق المؤدي إلى حي الورود، في الناصرة، لـ”عرب 48″ إن “جميع أنواع الحلويات تكون متوفرة في المحل خلال شهر رمضان، ولكن بكميات أقل من العادة لأن الطلب يتضاعف على الحلويات الرمضانية وهي القطايف والعوامة والحلاوة”.
وأشار إلى أن “القطايف تباع بكل أنواعها سواء العجينة أو الجاهزة للقلي أو الجاهزة، ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد منها ما بين 60 – 70 شيكلا، أما ثمن عجينة القطايف فلا يتعدى 20 شيكلا، أما العوامة فتباع بـ45 شيكلا للكيلوغرام الواحد، ومثلها ثمن الحلاوة”.