رغم التطور الدرامي للأحداث، بما في ذلك التصريحات العلنية التي صدرت عن الرئيس الأميركي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، وولي العهد السعودي، حول “الاقتراب من التوصل إلى اتفاق تطبيع بين الرياض وتل أبيب” إلا أن النووي السعودي يقف عقبة أمام الاتفاق المحتمل.
رغم التطورات الأخيرة في ملف التطبيع المحتمل بين إسرائيل والسعودية، لا تزال هناك عقبات قد تعترض ما يروج له إسرائيليا على أنه “تقدم متسارع وغير مسبوق” في المساعي للتوصل إلى اتفاق مع الرياض، أبرزها موقف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من الشق الأمني في المفاوضات، بما يشمل مطالب الرياض بالحصول على دعم أميركي لتطوير برنامج نووي مدني على الأراضي السعودية، بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بالفلسطينيين.
وفي هذه الأثناء، يمتنع المسؤولون في قيادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن التعليق على التقدم نحو الاتفاق مع السعودية، لحساسية الموضوع، رغم عدم وجود أي تغيير بالموقف الذي يهيمن في الأوساط الأمنية الإسرائيلية، وهو المعارضة الحثيثة لمشروع نووي خاص يشمل تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.
ويشكك المسؤولون في أجهزة الأمن الإسرائيلية، في قدرة الولايات المتحدة على ضمان بقاء تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية في نطاقه المدني وألا يعرض إسرائيل للخطر. ويشددون على ضرورة عدم اتخاذ قرار نهائي بهذا الشأن، إلا بعد إجراء دراسات موسعة ومعمقة تساعد الأجهزة الأمنية على تشكيل موقف رسمي.
وأكثر ما يقلق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو إمكانية بدء سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط ككرة ثلج لا يمكن السيطرة عليها، خصوصا بعد التصريحات التي صدرت مؤخرا عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال مقابلة أجرتها معه شبكة “فوكس نيوز”، مؤكدا أن السعودية ستعمل للحصول على قنبلة نووية، إذا ما فعلت إيران ذلك.
ويعتقد المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون أن هذه تصريحات بن سلمان، تشكف عن الإستراتيجية التي يتبعها ولي العهد السعودي في الشأن النووي، بحيث يرى الحاكم الفعلي للسعودي أن المفاعل النووي المدني ما هو إلا خطوة أخرى تقرب المملكة من تطوير قدرات عسكرية نووية.
وفي إطار بلورة موقف رسمي، تعمل أجهزة الأمن الإسرائيلية على دراسة التبعات المحتملة للاتفاق مع السعودية، وتأثيره على سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط والخطوات التي ستتخذها الدول الأخرى في المنطقة، وعلى رأسها تركيا ومصر، اللتان قد ترغبان بالانضمام إلى سباق التسلح النووي.
كما يشدد المسؤولون الأمنيون في إسرائيل، على ضرورة ضمان عدم إبرام السعودية صفقات أسلحة بموجب اتفاق التطبيع المحتمل، تشمل أسلحة متطورة و”كاسرة للتوازن”، بحيث تخل في “التفوق النوعي العسكري لإسرائيل في المنقطة”، الأمر الذي حافظت عليه بموجب الضمانات الأميركية.
في المقابل، قال مسؤول إسرائيلي رفيع ومطلع على الاتصالات مع السعودية، في إحاطة إعلامية للصحافيين الإسرائيليين، إن الموقف الأميركي يتوافق مع موقف إسرائيل في ما يخص المطلب النووي السعودي، وقال إن “الرغبة السعودية في التخصيب معروفة منذ سنوات طويلة في محادثاتهم مع الولايات المتحدة. الأميركيون لم يستجيبوا لهذا المطلب”.
وأضاف “لم نصل في إسرائيل إلى مرحلة متطورة أو متقدمة من النقاش حول مطالب ملموسة من هذا النوع. والآن تنتقل المناقشات إلى أدق وأصغر التفاصيل”. وفي ما يتعلق بالبدائل التي من شأنها أن تسمح لإسرائيل بالموافقة على تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، قال المسؤول إن “الأمر يعتمد على مدى مرونة السعوديين في التعاطي مع الخيارات الخلاقة التي يمكن أن يطرحها الأميركيون. الأمر ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيل أيضًا”.
يأتي ذلك في ظل الرفض الذي عبر عنه سياسيون إسرائيليون سواء في الائتلاف أو المعارضة، لتقديم ما وصفوه بـ”تنازلات تتعلق بالفلسطينيين” أو بالمطلب النووي السعودي في إطار اتفاق محتمل مع السعودية، في حين أشارت هيئة البث العام الإسرائيلية (“كان 11”)، عن بدائل أميركية مطروحة قد تقرب المسافات بين السعودية وإسرائيل.
وفي مؤشر على حساسية المسألة في إسرائيل، أثار تقرير “وول ستريت جورنال” الذي أشار إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يدرس إمكانية الامتثال لطلب السعودية لتخصيب اليورانيوم على أراضيها، استياء مسؤولين في حكومة نتنياهو، وصلت إلى حد مطالبته بإصدار نفي رسمي لتقرير الصحيفة الأميركية.
وبحسب “كان 11″، فإن المسؤولين في البيت الأبيض يدرسون تقديم مقترحا للرياض قد يشكل “ضمانات” تتعلق بالمشروع النووي السعودي، لمنع الرياض من تخصيب اليورانيوم إلى مستوى التصنيع العسكري. ويشمل الاقتراح إنشاء منشأة للتخصيب اليورانيوم على أراضي السعودية، على أن يتم تشغليها بواسطة جهة أميركية أو من دولة أخرى.
ومن بين الاقتراحات التي يناقشها الجانب الأميركي، إمكانية “التحكم عن بعد بالمنشأة النووية السعودية”، وأن يتم حمايتها بقوات عسكرية أميركية تتواجد على الأرض لمنع إمكانية الاستيلاء عليها أو الإضرار بها. وأشارت “كان 11” إلى أن الاقتراح الأميركي قد “يطمئن” أولئك الذين يثيرون شكوكا تتعلق بالبرنامج النووي السعودي.
في المقابل، نقلت القناة الرسمية الإسرائيلية عن مصادر مطلع قولها: “ليس هناك ما يضمن لنا 100% عدم سعي السعودية لتخصيب يورانيوم بمستوى عسكري، وليس هناك ما يضمن أن هذه الخطوة لن تؤدي إلى سباق تسلح إقليمي؛ في حين ادعى مسؤول إسرائيلي أن “النووي السعودي لا يجب أن يقلق إسرائيل”.
وأضاف المسؤول أن “الحكومة الإسرائيلية لا تتدخل علنا في هذه المسألة حتى لا ينظر إليها على أنها أفشلت الاتفاق”. ووفقا له، فإن الحكومة الإسرائيلية تتلقى تحديثات بشكل دائم من واشنطن، ومطلعة على الاتصالات بين المسؤولين السعوديين والأميركيين في هذا الشأن.