كاتب هندي: دبلوماسية “النمر المحارب” الهندوسية تضر بمصالح الهند

نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تقريرا عن أضرار الأجندة القومية الهندوسية التي تتبناها حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على السياسة الخارجية للبلاد، حيث إن المعتقدات “الأيديولوجية” اليمينية للحكومة أصبحت تقود بشكل متزايد تصرفات الهند داخليا وخارجيا.

وأطلق كاتب التقرير الصحفي الهندي المستقل كونال بوروهيت من بومباي، على دبلوماسية الهند في عهد مودي مصطلح “دبلوماسية النمر المحارب”، نسبة إلى “دبلوماسية الذئب المحارب” التي تنتهجها الصين، جارة الهند، مشيرا إلى أن هذه الدبلوماسية قد لاقت معارضة على نحو متزايد، بدءا من القرارات البرلمانية، وصولا إلى الاحتجاجات الشاملة.

أيدولوجيا التفوق الهندوسي

وأوضح بوروهيت أن جوهر أيديولوجيا حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم، وفقا لما يروّج له الأب الروحي لها راشتريا سوايامسيفاك سانغ علنا، هو قيامها على الاعتقاد بالتفوق الهندوسي على الديانات الأخرى، وأن الهند أمة هندوسية، في تحد لدستور البلاد العلماني.

وأشار الكاتب إلى أن فكرة التفوق الهندوسي تتسبب في إحداث تمزق متزايد في النسيج الاجتماعي في الهند، حيث أصبحت جرائم الكراهية ضد الأقليات الدينية؛ مثل: المسيحيين والمسلمين شائعة بشكل متزايد، كما أن خطاب الكراهية ضدهم أصبح أكثر انتشارا.

خريطة جدارية تثير رعب الجيران

وسرد بوروهيت الأضرار التي لحقت بالدبلوماسية الهندية جراء هذه الأيديولوجية، وذكر أنه قبل أسابيع قليلة، اندلع صراع دبلوماسي في جميع أنحاء شبه القارة الهندية، بعد أن افتتح مودي مبنى البرلمان الجديد الذي يضم خريطة جدارية للهند، بتكليف من حكومة مودي، أظهرت حدود البلاد الممتدة من باكستان في الغرب إلى بنغلاديش في الشرق.

وقال إن جيران الهند شعروا بالرعب إزاء هذا الانتهاك العرضي على سيادتهم، فاحتجت باكستان على ذلك. وفي نيبال اشتعلت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقادات للحكومة الهندية، وحذر رئيس الوزراء النيبالي السابق، بابورام بهاتاراي، من أن قضية الخريطة الجدارية من شأنها أن “تؤجج خلافا دبلوماسيا غير ضروري وضار”، مع احتمال “تفاقم انعدام في الثقة” بين الجارتين.

بيان أميركي

وجاء هذا الجدل الجداري بعد أسابيع فقط من صدور بيان أميركي يقول، إن حزب بهاراتيا جاناتا -الذي يتزعمه مودي والجماعات القومية الهندوسية التابعة له- يدعم مطالب الجماعات الهندوسية النيبالية، بالتخلي عن دستور نيبال العلماني وتحويله إلى دولة هندوسية.

وتجاهلت وسائل الإعلام المحلية، خاصة الخاضعة للحزب الحاكم، البيان الأميركي، لكن العواصم الأجنبية لاحظت ذلك. وهناك اعتراف متزايد بأن هذه الحالات تلحق الضرر بمكانة الهند على مستوى العالم، حتى ولو كان قلة من الناس على استعداد لقول ذلك بصوت عال.


وفي بنغلاديش، أشار الكاتب، إلى أن الشارع غاضب من مودي وحكومته. ففي عام 2021، عندما زار مودي بنغلاديش، اشتبك متظاهرون غاضبون مع قوات الأمن، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص وإصابة العشرات.

الاتحاد الأوروبي

وأضاف الكاتب أنه وعندما كان من المقرر أن يصل رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى باريس في 13 يوليو/تموز الماضي، كانت الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية على وشك توجيه ضربة محرجة لمصداقيته، وذلك من خلال إصدار بيان حاد اللهجة حول “تعصب الحكومة تجاه الأقليات”، الأمر الذي أسهم في أعمال العنف بولايات عدة، وجاء في القرار “كانت هناك مخاوف بشأن السياسات المثيرة للانقسام ذات الدوافع السياسية، التي تعزز مكانة الأغلبية الهندوسية”.

ونسب التقرير إلى أبارنا باندي مديرة مبادرة الهند في معهد “هدسون” في واشنطن العاصمة، قولها إن، “صعود القومية الهندوسية داخل الهند سيكون له تأثير على صورة الهند العالمية بلا شك”، مضيفة أن بعض تصرفات الهند في الماضي القريب كانت “تضر” بمصالحها، خاصة مع جيرانها.

سياسة خارجية منبتة عن الماضي

وأضافت باندي بأنه لم يُسمح تاريخيا لأيديولوجية أو معتقد لأي حزب حاكم في دلهي بالتأثير في السياسة الخارجية، ولكن هذا الوضع قد تغير.

ونقل الكاتب عن إيان هول، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة غريفيث ومؤلف كتاب “مودي وإعادة اختراع السياسة الخارجية الهندية”، قوله إن حكومة مودي كانت تحاول السير على خط رفيع من خلال “استخدام لغة معادية للمسلمين في الداخل لحشد الناخبين، في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على علاقات إيجابية مع الدول الإسلامية”، مشيرا إلى أنه ليس هناك شك في أن يسبب الخطاب المناهض للمسلمين والهجمات عليهم في الهند مشكلات لنيودلهي، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب.

قلق في الخارجية البريطانية

وفي لندن، قال خبير في السياسة الخارجية -طلب عدم ذكر اسمه-، إن هناك كثيرين داخل وزارة الخارجية البريطانية “متحجرون” و”قلقون” بشأن التعامل مع حكومة مودي، لكنه أقر -أيضًا- بـ “المخاوف الإستراتيجية المهيمنة” التي تجمع بينهم.

وقالت كيرا هوغو، الزميلة في العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، إن الأهمية الجيوسياسية للهند كثقل موازن للصين في المنطقة، قد تضمن أن الانتقادات لأفعالها قد لا تكون صريحة للغاية، لكن ذلك لن يمنح الهند تصريح دخول مجاني.

وتابعت هوغو قائلة، إن “العواصم الغربية مضطرة إلى طلب تعاون الهند، بسبب الضرورات الجيو إستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكنها ربما ذهبت إلى أبعد من ذلك في هذه المساعي للتعاون، لو لم تكن لديها تحفظات عميقة بشأن التطورات المحلية في الهند”.

واختتم الكاتب التقرير بما قالته هوغو، من أن طبيعة الدبلوماسية الهندية على المحك نتيجة للقومية الهندوسية المتشددة التي تنتهجها حكومة مودي. وأضافت أنه “في حال فاز حزب بهاراتيا جاناتا بفترة ولاية ثالثة، فإننا نتطلع إلى تغييرات مؤسسية دائمة في الطريقة التي يحكم بها”.

Exit mobile version