بحلول أواخر الستّينيّات من القرن الماضي، واجهت الولايات المتّحدة تحدّيات اقتصاديّة متزايدة، بما في ذلك ارتفاع التضخّم، وعجز الميزانيّة، وتزايد اختلال التوازن التجاريّ، حيث أدّت هذه العوامل إلى صعوبة القدرة على الحفاظ على معيار الذهب
أعلن سفير جنوب أفريقيا في تكتّل “بريكس”، إنّ المجموعة ستناقش إمكانيّة تعزيز استخدام العملات المحليّة في التجارة بين الدول الأعضاء على القمّة المقرّر عقدها في جنوب أفريقيا، كما صرّحت وزيرة الخارجيّة والتعاون في جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، بأنّ 23 دولة تقدّمت بطلبات رسميّة للانضمام إلى منظّمة بريكس، وسوف تتمّ مناقشة هذه الطلبات في القمّة المرتقبة خلال الشهر الجاري.
وتسعى دول أعضاء البريكس – البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، لإجراء التجارة بعملاتهم الخاصّة في موازاة هيمنة الولايات المتّحدة الأميركيّة، ويستهدف بنك التنمية الجديد (مصرف المجموعة) إصدار ثلث قروضه بالعملات المحليّة بحلول 2026.
وتتّجه العديد من الدول في العالم إلى زيادة احتياطاتها من الذهب إذ اقتنت الصين 181.5 طن والهند 158 طن والولايات المتّحدة بواقع 66 طنًّا وتركيا بواقع 57 طنًّأ.
ويناقش خبراء اقتصاديّون عودة العالم إلى الذهب، وإنشاء تكتّلات اقتصاديّة مثل منظّمة “بريكس”، والعودة إلى ربط العملات بالاحتياطي من الذهب، خاصّة مع تخبّط الدولار كعملة مستقرّة وسط الأزمات الاقتصاديّة التي تعصف بالولايات المتّحدة الأميركيّة، وأزمة سقف الدين المتجدّدة.
ويشير اقتصاديّون إلى العودة إلى نظام اقتصاديّ يرتبط بالذهب كقيمة حقيقيّة، والذهاب إلى ما قبل “صدمة نيكسون”، وقرار فكّ ارتباط الدولار كعملة احتياط بالذهب عام 1971.
وشهدت السبعينيّات تحوّلًا زلزاليًّا في المشهد الاقتصاديّ العالميّ عندما تخلّت الولايات المتّحدة عن معيار الذهب، وفصلت الدولار عن ربط عملته بالذهب، وكان هذا الحدث المحوريّ إيذانًا بنهاية حقبة وبشر ببدء حقبة جديدة من أسعار الصرف العائمة، وإعادة تشكيل ديناميكيّات التمويل الدوليّ والتجارة والسياسة النقديّة، حيث كان لفصل الدولار عن الذهب، الّذي يشار إليه غالبًا باسم “صدمة نيكسون”، عواقب بعيدة المدى على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
وكان فصل الدولار عن الذهب في السبعينيّات بمثابة لحظة محوريّة في التاريخ الاقتصاديّ، وأعاد تشكيل أسّس النظام النقديّ العالميّ، حيث أدّى التحوّل من أسعار الصرف الثابتة إلى أسعار الصرف العائمة إلى ظهور فرص وتحدّيات على حدّ سواء، ممّا أثّر على أنماط التجارة وتدفّقات رأس المال والاستقرار الاقتصاديّ، وفي حين أنّ الابتعاد عن المعيار الذهبيّ لم يخلو من عدم اليقين، فقد مهّد الطريق لنظام ماليّ دوليّ جديد.
وكان معيار الذهب، وهو نظام نقديّ يربط قيمة عملة بلد ما بكمّيّة محدّدة من الذهب، حجر الزاوية في النظام الماليّ الدوليّ لعقود، ففي ظلّ هذا النظام، كانت الدول تحتفظ باحتياطيّات كبيرة من الذهب لدعم عملاتها، ممّا غرس الشعور بالاستقرار والثقة في الاقتصاد العالميّ، وأدّت اتّفاقيّة بريتون وودز لعام 1944 إلى إضفاء الطابع الرسميّ على هذا النظام، حيث يعمل الدولار الأمريكيّ كعملة احتياطيّة أساسيّة في العالم، قابلة للتحويل إلى الذهب بسعر ثابت قدره 35 دولارًا للأونصة.
بحلول أواخر الستّينيّات من القرن الماضي، واجهت الولايات المتّحدة تحدّيات اقتصاديّة متزايدة، بما في ذلك ارتفاع التضخّم، وعجز الميزانيّة، وتزايد اختلال التوازن التجاريّ، حيث أدّت هذه العوامل إلى صعوبة القدرة على الحفاظ على معيار الذهب.
وأثارت مخاوف بشأن استقرار الدولار، وفي آب/ أغسطس 1971، أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون عن سلسلة من الإجراءات المعروفة مجتمعة باسم “صدمة نيكسون”، والّتي تضمّنت تعليق تحويل الدولار إلى ذهب، وقطع هذا القرار الأحاديّ بشكل فعّال الصلة بين الدولار والذهب، إيذانًا بنهاية نظام بريتون وودز.
ولاحقًا، كما بيّنت دراسات، أدّى هذا الفصل إلى آثار فوريّة وعميقة على الاقتصاد العالميّ، حيث كان انهيار نظام سعر الصرف الثابت أحد العواقب المباشرة، ومع عدم ارتباط العملات بقيمة معيّنة من الذهب، أصبحت أسعار الصرف خاضعة لقوى السوق، ممّا أدّى إلى زيادة التقلّبات، وشكّل هذا التقلّب تحدّيات للشركات العاملة في التجارة الدوليّة والاستثمار، حيث كان عليها أن تتعامل مع تحرّكات أسعار الصرف غير المؤكّدة.
ومع تكيّف البلدان مع المشهد الاقتصاديّ الجديد، تحوّل العديد منها إلى أنظمة أسعار الصرف العائمة، حيث يتمّ تحديد قيمة عملاتها من خلال العرض والطلب في أسواق الصرف الأجنبيّ، وسمح هذا التحوّل بمزيد من المرونة في السياسة النقديّة، حيث يمكن للبنوك المركزيّة تعديل أسعار الفائدة بشكل مستقلّ لمكافحة التضخّم أو تحفيز النموّ الاقتصاديّ أو استقرار عملاتها، ومع ذلك، أدّت هذه المرونة أيضًا إلى مستوى من عدم اليقين، حيث يمكن أن تؤدّي التقلّبات السريعة وغير المتوقّعة في أسعار الصرف إلى تحوّلات مفاجئة في القدرة التنافسيّة التجاريّة وتدفّقات رأس المال.
وفي حين أنّ التحوّل عن المعيار الذهبيّ كان له آثار بعيدة المدى، إلّا أنّ تأثيره كان متفاوتًا عبر البلدان المتقدّمة والنامية، حيث كانت الاقتصادات المتقدّمة ذات الأنظمة الماليّة القويّة والمؤسّسات الراسخة مجهّزة بشكل أفضل لإدارة حالات عدم اليقين المتعلّقة بأسعار الصرف العائمة، وفي المقابل، واجهت العديد من البلدان النامية تحدّيات في التكيّف مع البيئة الجديدة، لأنّها تفتقر إلى البنية التحتيّة اللازمة لإدارة تقلّبات أسعار الصرف وتدفّقات رأس المال بشكل فعّال.