دكا- شارك عشرات الآلاف من مؤيدي الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، الثلاثاء، في جنازة زعيمها السابق دِلوار حسين يوسف سعيدي. وجاء هذا الاحتشاد في ظل علاقة متأزمة بين الأحزاب المعارضة، ومنها الجماعة، وبين حكومة حزب “عوامي” الحاكم برئاسة الشيخة حسينة واجد التي تحكم البلاد منذ 15 عاما.
وتوفّي الزعيم السابق سعيدي بعد يوم واحد من نقله من سجنه إلى المستشفى، حيث ذكرت تقارير أنه تعرض لنوبة قلبية، وكان يقضي حكما بالسجن المؤبد منذ اعتقاله عام 2010، في قضية تتعلق بأحداث استقلال البلاد عام 1971.
ويعتبر سعيدي واحدا من علماء التفسير المعروفين، وترك لجمهوره في الوسط الديني والعلمي ببنغلاديش 54 مؤلفا منها تفسير للقرآن في 4 مجلدات. وكان يحضر محاضراتِه في المساجد الكبرى عشراتُ الآلاف.
وفاة في ظروف متوترة
وبعد إعلان وفاته ليل الاثنين، وقعت مواجهات على خلفية مكان دفنه استمرت حتى صباح الثلاثاء بين جمهوره والشرطة البنغلاديشية التي حاولت تفريق المحتشدين منعا لجنازة حاشدة وسط العاصمة.
وأعلنت الجماعة الإسلامية تأجيل إقامة صلاة الغائب على روح زعيمها الراحل في أكبر مساجد العاصمة دكا، لأن رحيله تزامن مع 15 أغسطس/آب وهو يوم حداد وطني إحياءً لذكرى اغتيال أول رئيس لبنغلاديش الشيخ مجيب الرحمن و18 من أفراد أسرته في أول انقلاب عسكري دام بتاريخ البلاد عام 1975.
والشيخ مجيب الرحمن هو والد الشيخة حسينة واجد رئيسة الوزراء الحالية التي استمرت في حمل الإرث السياسي لوالديها وحكمت البلاد بين عامي 1996 و2001، ثم لفترة ثانية منذ مطلع 2009 إلى الآن.
وفي ظل العلاقة المتوترة بين حكومة الشيخة حسينة واجد والجماعة الإسلامية، جرت مراسم دفن سعيدي الثلاثاء في مسقط رأسه بمقاطعة بيروج بور جنوب غرب بنغلاديش، وهي المنطقة التي مثّلها في البرلمان لعشر سنوات حتى عام 2006.
محاولات اجتثاث
وجاء الاحتشاد الجديد للجماعة الإسلامية بعد محاولات الحكومة اجتثاثها خلال 13 عاما مضت، كونها حزبا معارضا له امتداد اجتماعي وحراك ديني وشبابي يمتد عقودا.
فالجماعة الإسلامية وأحزاب المعارضة عموما تنفي عن دِلوار حسين سعيدي (83 عاما) دواعي حكمه بالسجن المؤبد ضمن سلسلة محاكمات أثارت جدلا قانونيا واسعا فيما يعرف بجرائم الحرب الخاصة بأحداث وقعت إبان استقلال بنغلاديش عام 1971، وحوكم فيها قادة ثلاثة أحزاب معارضة.
وتقول أسرة دلوار سعيدي إنهم كانوا نازحين إبان أحداث حرب 1971، ولم يتواجدوا في المدينة التي وقعت فيها الجرائم التي أدين بها ومن معه. ولاقت محاكماتهم انتقادات حقوقية واسعة من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرهما.
الانتخابات.. مشاركة أم مقاطعة؟
جاءت وفاة دلوار حسين سعيدي بعد ثلاثة أشهر من عودة واضحة للجماعة الإسلامية من خلال تظاهرات حاشدة بعد غياب لعقد ونيف، ورفعت هذه المظاهرات شعارات مطالبة بإصلاحات سياسية وانتخابات حرة ونزيهة.
وتزامنت مع حراك شعبي آخر لحليفها التقليدي الحزب الوطني البنغلاديشي، أكبر الأحزاب المعارضة وهو الذي حكم البلاد خلال أربع فترات متفرقة منذ تأسيسه نهاية السبعينيات. وتحالفت معه الجماعة الإسلامية وأحزاب أخرى قبل تحولهم جميعا إلى المعارضة منذ 15 عاما إلى اليوم.
ويطالب “الوطني البنغلاديشي” و “الجماعة الإسلامية” في مظاهرات منفصلة بإصلاحات تفضي إلى حكومة تصريف أعمال غير حزبية تشرف على إجراء الانتخابات.
وهددت تيارات سياسية كثيرة منها الجماعة الإسلامية بمقاطعة الانتخابات إذا لم تُعين حكومة غير حزبية، معتبرةً وجود حكومة حزبية تشرف عليها إخلالٌ بنزاهتها.
ويقول قادة الجماعة الإسلامية إنهم يواجَهون بقمع من أجهزة الدولة التي اعتقلت نحو 700 ناشط ومؤيد للجماعة خلال هذا العام.
مشاركة مشروطة
ويقول المسؤول الإعلامي للجماعة الإسلامية مطيع الرحمن أكوند، إن جماعته لن تشارك في الانتخابات المقبلة المزمع إجراؤها قبل نهاية يناير/كانون الثاني 2024، إذا نظمت في ظل الحكومة الحالية.
وطالب أكوند في تصريح للجزيرة نت، باستقالة الحكومة قبل الانتخابات وبإعادة حق التصويت والاختيار للشعب لضمان نزاهة وحرية الاقتراع على حد قوله.
وقال إن جولات الانتخابات الماضية التي نظمت تحت إشراف حكومة حزب عوامي الحالية لم تكن عادلة، وإن الانتخابات المقبلة بنفس المظلة لن تخرج البلاد من أزمتها السياسية. وهو موقف مقارب لرؤية الحزب الوطني البنغلاديشي.
وأكد أكوند أن جمهور الجماعة نزل إلى الشوارع مطالبا بتسليم مقاليد الأمور لحكومة تصريف أعمال غير حزبية قبل الانتخابات، وهو النظام الذي كان معمولا به بحسب تعديل دستوري خلال ثلاث انتخابات بين عامي 1996 و2008.
وطالب مطيع الرحمن أكوند بإطلاق سراح “السجناء السياسيين”، متهما الحكومة بقمع جماعته وملاحقة مؤيديها لإضعاف حضورها مجتمعيا وسياسيا، والتضييق على نشاطاتها ومظاهراتها.
تحذير من انزلاق نحو العنف
من جانبه، يقول رئيس قسم القانون في جامعة دكا آصف نذرول، إن المعارضة دفعت بحشودها في شوارع العاصمة وغيرها من المدن خلال الأسابيع والشهور القليلة الماضية، وقوبل ذلك بمحاولات تضييق من أجهزة الدولة وأجنحة الحزب الحاكم.
وحذر نذرول في حديث للجزيرة نت، من “انزلاق البلاد في دوامة عنف لن توفر أجواء سياسية حرة”. وقال إنه في حالة توجه الحكومة نحو انتخابات “أحادية الطرف” فإنها بذلك “ستسلب الشعب حق الانتخاب”، مشيرا إلى تدني المشاركة الشعبية في الانتخابات المحلية الأخيرة.
وقال “ما لم تضمن الحكومة حقوق الشعب في الانتخاب وحرية التعبير.. فإن هذا سيضر بالمواطنين كثيرا مهما حاولت مفوضية الانتخابات أن تبعث برسائل تطمينية للناخبين”، على حد تعبير آصف نذرول.
رفض رسمي
يقول شاه علي فرهاد، عضو فريق العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية لحزب عوامي الحاكم، إن فكرة إشراف حكومة تصريف أعمال غير حزبية على الانتخابات قد ألغيت عام 2011 بتصويت أغلبية ساحقة في البرلمان، وعملا بقرار من المحكمة العليا التي رأت أن الأمر غير دستوري، رغم أنه أضيف في تعديل دستوري عام 1996، وطُبّق في عدد من الانتخابات، قبل أن يُلغى هذا التعديل عام 2011 خلال فترة الحكومة الحالية.
ويضيف فرهاد، وهو أيضا كبير باحثي مركز البحث والمعلومات في دكا، أن التقليد المعمول به في دول العالم هو استمرار الحكومات المنتخبة ذات الطابع السياسي أو الحزبي في الحكم حتى موعد الانتخابات الجديدة لا أن تسلم الحكم لحكومات تصريف أعمال غير حزبية.
وبرأيه، “مهما كان سجل الماضي، فعلى الأحزاب أن تسعى للعمل معا من أجل إنجاز الانتخابات في ظل الدستور والقانون”. وقال إن مفوضية الانتخابات المستقلة وآليات الدولة ومؤسساتها قادرة على تنظيم الانتخابات إذا لم يتدخل أحد في عملها.
ونفى المسؤول بالحزب الحاكم اعتقال سياسيين “دون ادعاءات أو تهم واضحة”، معبّرا عن ثقته في النظام القضائي البنغلاديشي، وأمله بأن يقوم كل الفاعلين السياسيين بأدوارهم دون التعرض لأي تهديد.
ويسود المشهد السياسي البنغلاديشي حالة غموض بشأن الانتخابات القادمة ومن سيشارك فيها، في بلد قارب عدد سكانه 170 مليون نسمة ليكون الثالث من بين دول العالم الإسلامي بعد إندونيسيا وباكستان.
وإزاء تمسّك الحكومة والحزب الحاكم بالإشراف على الانتخابات، يتساءل محللون عن مصير مشاركة المعارضة الوطنية والإسلامية أو استمرارها بالمقاطعة في حال لم تشكل حكومة تصريف أعمال غير حزبية، وبهذا تقتصر المشاركة على أحزاب التحالف الحاكم وبعض الأحزاب الأخرى غير المؤثرة.