تتجه أنظار العالم نحو السيارات الكهربائية، لما تتركه من آثار صحية واقتصادية أفضل من تلك التي تبعث غازات ملوثة في الجو أي (السيارات العادية التي تسير على البنزين والسولار).. لكن هل هذه السيارات صديقة فعلاً للبيئة؟ وهل من الممكن أن تحل محل السيارات العادية؟
مزايا عديدة للسيارات الكهربائية، فهي صديقة للبيئة لا تنبعث منها الغازات الضارة كما أنها سهلة التشغيل ولا تصدر أصواتا مزعجة. حكومات العديد من الدول تشجع مواطنيها على التحول للسيارة الكهربائية التي تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من ناحية تساعد على تحقيق أهداف الدول بتقليل الانبعاثات الغازية كما أنها تقلل من معدلات التلوث في المدن.
لكن ورغم كل هذه المزايا إلا أن السيارة الكهربائية ليست الحل المثالي، فعندما يعتمد تشغيل السيارة على الكهرباء المستمدة من حرق الوقود الأحفوري، فهذا لا يضيف الكثير لمساعي حماية المناخ. في الوقت نفسه يحتاج إنتاج السيارة الكهربائية لطاقة أكبر من السيارات التقليدية وهو أمر يرجع لبطارية السيارة المعقدة. كما أن التخلص من هذه البطاريات بعد ذلك يمثل عبئا على البيئة. ورغم عدم انبعاث غازات ضارة من السيارة الكهربائية أثناء سيرها على الطريق، إلا أن هذه الغازات تنبعث من المفاعلات التي تقوم بتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل السيارة.
ويحتاج انتاج السيارة الكهربائية لمعادن مثل النحاس والكوبالت والنيوديميوم النادر، يرجع مصدر الكثير من هذه المعادن للصين وللكونغو ويتم استخراجه بعمليات لا تخلو من خروقات حقوق الإنسان والإضرار بالبيئة.
من جهته يقول يان لوبتي، الخبير بمؤسسة النقل والبيئة في بروكسل، إن إنتاج السيارات الكهربائية يحتاج للمزيد من الطاقة مقارنة بالسيارات التقليدية، إلا أنه بمجرد دخولها لحيز العمل، فإنها تكون أكثر فاعلية من حيث استهلاك الطاقة علاوة على أنها أكثر نظافة من ناحية العوادم، مقارنة بالسيارات العادية. وأضاف الخبير: “هذه الأمور ستصبح بالطبع أفضل، كلما زاد استخدام الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء”.
من جهته حذر المعهد الألماني للبيئة، من زيادة الكثافات المرورية بسبب السيارات الكهربائية، ففي النرويج على سبيل المثال، ارتفعت مستويات مبيعات السيارات الكهربائية بشكل رائد على مستوى أوروبا، لكن هذا الارتفاع تزامن مع تراجع شديد في عدد مستخدمي وسائل المواصلات العامة.
من جهتها حذرت منظمة “غرين بيس”(السلام الأخضر)، من أن دعم السيارات الكهربائية قد يساهم في زيادة عدد مالكي السيارات. ورأت المنظمة أن الطريق الأفضل هو التركيز على تطوير وسائل النقل العام بدلا من تشجيع الناس على اقتناء السيارات الكهربائية.
وفيما يخص قضية العوادم الضارة الناتجة من السيارات، أظهرت دراسات أن السيارة التي تعمل ببطارية وتستمد الكهرباء من الوقود الأحفوري، هي أكثر إنتاجا للغازات الضارة خلال فترة استخدامها، من سيارات الديزل، لكنها في الوقت نفسه أقل إصدارا للعوادم من السيارات التي تعمل بالبنزين.
أما السيارة الكهربائية التي تعمل بكهرباء مستمدة من مصادر متجددة للطاقة، فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عنها طيلة فترة تشغيلها، أقل ست مرات من السيارة التي تعمل بالبنزين. وتؤكد هذه النتائج ضرورة تركيز الدول على طرق إنتاج الكهرباء، حتى تصير السيارة الكهربائية أكثر فاعلية.
في الوقت نفسه تحتوي بطارية السيارة الكهربائية معقدة التركيب، على مواد كيميائية سامة، وهنا يأمل الخبراء في التوصل في المستقبل لطريقة تسمح بإعادة استخدام هذه البطارية كما يقول جيم هولدر، رئيس تحرير مجلة ” What Car?” البريطانية المتخصصة في السيارات: “يمكن إعادة استخدام بطارية السيارة الكهربائية لأهداف أخرى عديدة”.
ويعمل العديد من العلماء في الجامعات والمعاهد البحثية من أجل التوصل لطريقة يمكن من خلالها إعادة استعمال بطاريات السيارات الكهربائية، في مجالات صناعية على سبيل المثال.
وكان تقرير صدر عن جميعة الرئة الأمريكية، قال إنه إذا اختفت سوائل الغاز من السيارات الأمريكية بحلول عام 2035 وجرى استبدالها بمركبات خالية من الانبعاثات بشكل أساسي مثل السيارات الكهربائية والشاحنات وسيارات الدفع الرباعي، فسينخفض عدد الوفيات بمقدار 89300 حالة بحلول عام 2050.
وسيتعين على الحكومة الأميركية التحرك بشكل أكبر نحو إنتاج الكهرباء النظيفة، مثل الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية والطاقة الحرارية الأرضية والنووية.
وسيعاني 2.2 مليون في الولايات المتحدة من نوبات ربو أقل، و10.7 مليون يوم عمل ضائع أقل، وستوفر نحو 978 مليار دولار من فوائد الصحة العامة مع الانتقال إلى سيارات وإمدادات طاقة أنظف.
كبير المديرين الوطنيين لمناصرة الهواء النظيف، ويليام باريت، قال: “هناك فوائد واضحة جداً لتقنيات عديمة الانبعاثات”.
واعتبر باريت أن النقل هو المصدر الرئيسي لتلوث الهواء في الولايات المتحدة وأكبر مصدر للكربون مسبب أزمة المناخ.
وتشير الدراسات إلى أن التلوث يزيد بشكل كبير من أخطار الوفاة المبكرة أو الأمراض المزمنة مثل الربو ومشكلات القلب وحتى الاكتئاب ومرض ألزهايمر.
ويعيش نحو 120 مليون شخص في الولايات المتحدة في مناطق ذات هواء غير صحي، وفقاً لتقرير صادر عن “جمعية الرئة” الأمريكية نُشر هذا العام.
وبحسب باريت “فإن التحول إلى مركبات ذات صفر انبعاثات يعني تغييراً هائلاً للولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن عدد الأشخاص الذين يقودونها آخذ في الازدياد فإنّ 4.6 في المئة فقط من السيارات المباعة في الولايات المتحدة في عام 2021 كانت كهربائية، وفقاً لمكتب الولايات المتحدة لإحصاءات العمل”.
وتتخذ صناعة السيارات والحكومة الفيدرالية خطوات كبيرة لتسريع التغيير إلى المركبات عديمة الانبعاثات.