تواجه الجهود الحالية عقبة أكبر تتمثل في وجود حكومة إسرائيلية أكثر تطرفًا من سابقاتها، وستكون أكثر معارضة لأي خطوة يمكن أن توحد الفلسطينيين، بما في ذلك إجراء انتخابات فلسطينية من شأنها تقوية الفلسطينيين.
على الرغم من التوقعات المنخفضة من اجتماع القاهرة، فإنني سأحاول في هذا المقال عرض السيناريوهات المختلفة لعقد الاجتماع.
السيناريو الأول: إلغاء أو تأجيل الاجتماع
هذا السيناريو ممكن على خلفية استمرار الهوة الواسعة بين الفصائل، كما يظهر في فقدان الأرضية المشتركة، وهو سيناريو غير مرجح؛ لأن الفصائل لا تريد أن تتحمل المسؤولية أمام الشعب الفلسطيني بالظهور السافر بمظهر غير المعني بالمرة بالوحدة، في الوقت الذي تزداد الحاجة إليها، كما لا تريد الفصائل إغضاب مصر بعدم تلبية دعوتها.
أما بخصوص تهديد عدد كبير من الفصائل بعدم المشاركة إذا لم يتم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فهي محاولة للانسجام مع دعواتها السابقة حول عدم إمكانية الجمع بين خياري المقاومة والتسوية، ولتحسين شروط المشاركة، مع أن هناك وعودًا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو بعضهم، وإذا لم يتم إطلاق المعتقلين السياسيين أو بعضهم، خصوصًا من الجهاد الإسلامي، فيمكن أن تقاطع الجهاد كما هدد أمينها العام، أو يمكن أن تثير هذه المسألة بقوة أثناء الاجتماع، وما يمكن أن يترتب على ذلك من عواقب.
السيناريو الثاني: إعادة إنتاج الحوارات والاتفاقات السابقة
هذا السيناريو محتمل، وله فرصة كبيرة بالتحقق من خلال صدور بيان من المجتمعين على غرار إعلان الجزائر، وما سبقه من اتفاقات لم تنفذ أو نفذت جزئيًا وسرعان ما انهارت.
ويمكن أن يتحقق هذا السيناريو بإضافة نقطة لإعلان الجزائر تتحدث عن حكومة وحدة وطنية أو حكومة وفاق وطني، وهي كانت موجودة في المسودة الأولى، وأُسقِطتْ لاحقًا على خلفية عدم الاتفاق على التزامها بالشرعية الدولية التي تستخدم بوصفها مرادفًا خفيًا لشروط الرباعية، وينفض الاجتماع بصدور بيان، ويبقى الوضع على حاله.
السيناريو الثالث: إدارة الانقسام
يتحقق هذا السيناريو من خلال الاتفاق فعلًا على تشكيل حكومة متفق عليها (حكومة وحدة أو وفاق) تكرس الأمر الواقع، وتمنحه شرعية فصائلية مشتركة، وهي لا تنهي الانقسام ولا تجري انتخابات على الأقل في القريب العاجل، إلا أنها تخفف من الاحتقان وتساعد على إدارة بعض الملفات مثل التعامل مع مخططات وسياسات الحكومة الإسرائيلية ومضيها في تطبيق خطة الحسم، التي يمكن أن تصعد إجراءاتها ضد الفلسطينيين في ضوء استمرار الأزمة الداخلية في إسرائيل وتفاقمها، كما تسعى الحكومة إلى الاتفاق على ملف إعادة إعمار مخيم جنين وملف الغاز… وغيرهما، وتغطي على واقع تحول الانقسام إلى انفصال.
السيناريو الرابع: الشروع الجدي في مواجهة تحديات المرحلة
هذا السيناريو مستبعد؛ لأن طرفي الانقسام وخصوصًا الرئيس متمسكان بشروطهما التي حالت دون نجاح جهود الوحدة في السابق، إضافة إلى العوامل الخارجية المعرقلة للوحدة التي لا يمكن التقليل من تأثيرها. ففريق من طرفي الانقسام لا يريد الوحدة إلا إذا تمكن من إلحاق الفريق الآخر تحت قيادته، ومن دون أن تقيد يديه وحركته السياسية وعلى مختلف الصعد، وفريق يريد أن يحتفظ بالسلطة في القطاع ويضيف إليها إنجازات أخرى مثل الانضمام إلى المنظمة أو المشاركة في القرار عن طريق تشكيل إطار قيادي مؤقت، وهو الآن يشعر بالارتياح أكثر من السابق لأن القبول الواقعي بسلطته تزايد والتهديدات الداخلية والخارجية ضده تتراجع.
وإذا كان السيناريوهان الأول والرابع مستبعدَيْن، فإن هناك تنافسًا وسباقًا بين السيناريوهَيْن الثاني والثالث. وما يعزز ذلك وجود معلومات بأن الرئيس سيشارك في الاجتماع، وهذا إن حدث فيكون للمرة الأولى، فدائمًا لا يشارك حتى يحتفظ بهامش كبير لإفشال أي اتفاق والتحكم في سير الأمور.
الرجوب والعاروري يسعيان إلى تجنب الألغام
أشارت مصادر إلى أن جبريل الرجوب وصالح العاروري استأنفا الاتصالات بينهما وشرعا في التحضير للاجتماع، وهذا بحاجة إلى تأكيد وإن حصل فيجب أن يكون لديهما تفويض حقيقي من “فتح” والرئيس ومن “حماس”، وهما كما أشارت التجربة وتفاهمات إسطنبول يميلان إلى تأجيل الملفات التي تشكل عقبة كبيرة أو لغمًا قابلًا للانفجار في أي لحظة، فاختارا مقاربة تأجيل إنهاء الانقسام والحسم بالخيار السياسي والتزامات أوسلو، والتركيز على التخفيف من آثار الانقسام ولو عن طريق إدارته والتركيز على البحث عن نقاط متوافق عليها سياسيًا وغيرها مثل إجراء الانتخابات ضمن صيغة القائمة المشتركة والاتفاق على ترشيح الرئيس مرشحًا توافقيًا في الانتخابات الرئاسية.
التحدي الذي يواجه الرجوب والعاروري أن الصيغة السابقة التي اتفقا عليها فشلت بسبب المعارضة الداخلية والخارجية، وخصوصًا المعارضة الأميركية والإسرائيلية التي وضعت الفيتو على الانتخابات، حتى لو لم تحصل حركة حماس على الأغلبية إذا لم توافق على شروط الرباعية، وأسباب الفشل لا تزال قائمة.
طبعًا، ساهمت الخلافات الفتحاوية وترشيح قوائم عدة محسوبة على حركة فتح في إفشال تطبيق تفاهمات إسطنبول التي لا يوجد ما يضمن أن تطبيقها بإجراء الانتخابات لو تم سيؤدي إلى إنهاء الانقسام، بل الأرجح أن من قبلَ بإجراء الانتخابات من دون إنهاء الانقسام سيقبل بإدارة الانقسام؛ لأن الأسباب نفسها التي جعلته يقبل بمقاربة الانتخابات في ظل الانقسام ستجعله يقبل بإدارة الانقسام بعدها، وحينها ستكون أطراف الانقسام الفائزة قد حصلت على شرعية شعبية.
وتواجه الجهود الحالية عقبة أكبر تتمثل في وجود حكومة إسرائيلية أكثر تطرفًا من سابقاتها، وستكون أكثر معارضة لأي خطوة يمكن أن توحد الفلسطينيين، بما في ذلك إجراء انتخابات فلسطينية من شأنها تقوية الفلسطينيين في مواجهتها، وهي تسعى إلى إضعاف الفلسطينيين وشرذمتهم بصورة أكبر؛ يسهل عليها تصفية القضية الفلسطينية بكل أبعادها.
يمكن أن يختار المجتمعون في القاهرة التركيز على الاتفاق على برنامج مشترك أو إستراتيجية واحدة في مواجهة حكومة (نتنياهو وسموتريتش وبن غفير)، وهذا جيد بداية ولكنه يتطلب خطوة لاحقة وهي ضرورة التحلل من التزامات أوسلو السياسية والاقتصادية والأمنية، ويمكن الاتفاق في هذه الحالة على تأجيل خطوات مثل تشكيل حكومة أو التوجه إلى انتخابات؛ حيث نكون أمام فترة انتقالية تستهدف استكشاف الإمكانات والاحتمالات والتطورات القادمة والتصرف في ضوئها، وهذا يتطلب الاتفاق على صيغة انتقالية قيادية مؤقتة لا تشكل بديلًا من مؤسسات منظمة التحرير، ولكنها تحظى بصلاحيات واسعة يتم الاتفاق عليها، وهذا لم ينجح سابقًا في تجربة الإطار القيادي المؤقت المنصوص عليه في اتفاق القاهرة أيار/ مايو 2011، ولا يوجد ما يكفي من مؤشرات تسمح بالتفاؤل بالنجاح هذه المرة. ويمكن في هذا السياق تشكيل لجنة وطنية مؤهلة وممثلة لكل الألوان والتجمعات والقطاعات والأجيال ومن كلا الجنسين، تكلف بوضع خريطة إنقاذ وطنية.
لماذا يغلب التشاؤم على هذا المقال؟
يرجع ذلك إلى سبب بسيط، وهو أن جماعات مصالح استمرار الانقسام هي الأقوى والمتحكمة في السلطتين المتنازعتين، بينما القوى والجماعات والحراكات التي تتحرك لإنهاء الانقسام وتجسيد المصلحة الوطنية والوحدة لا تزال ضعيفة، وغير موحدة في رؤاها ومطالبها، فمنها من يركز على إجراء الانتخابات أو على المنظمة أولًا، ومنها من يطالب بالإطاحة بالمجموعة المتحكمة أولًا وإنشاء عنوان قيادي بديل من القيادة التي تخلت عن دورها القيادي، ومنها من يرفض المشاركة مع فصيل أو فصائل مرتبطة بمشاريع سياسية إقليمية بعنوان ديني وغير ذلك.
لا طريق سوى مراكمة القوة لبلورة تيار ثالث يضم قوى وحراكات تؤمن بضرورة التغيير، وتعمل على توفير متطلبات حدوثه، والمنطقة والعالم يشهدان تحولات وتغييرات يمكن أن تفتح أبواب الفرص والتغيير الفلسطيني، الذي من دونه لا يمكن السير على طريق الإنقاذ الوطني.