واشنطن واتفاق "الشرق الأوسط الكبير"... ثمن التطبيع السعودي الإسرائيلي
ما الثمن الذي قد توافق واشنطن على دفعه مقابل التوصل إلى “اتفاق كبير” قد يعيد تشكيل الوضع الجيوسياسي بالشرق الأوسط ويشمل تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض؟ وما هي الدوافع التي تحرك إدارة بايدن؟ وما فرص نجاح هذه المساعي؟
تسعى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للمضي قدما في جهود منسقة للتوصل إلى “اتفاق كبير” في الشرق الأوسط، يتضمن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وترى أن بوسع الولايات المتحدة جني مكاسب كبيرة إذا تمكنت من التغلب على العقبات الشديدة في الطريق.
وجعل مساعدو بايدن من هذا المسعى الدبلوماسي، أولوية في السياسة الخارجية للإدارة الحالية، على الرغم من شكوك متفاوتة لدى الخبراء حول ما إذا كان التوقيت والظروف الراهنة والقيادة الحالية في المنطقة، مناسبين لصفقة ضخمة يمكن أن تعيد تشكيل الوضع الجيوسياسي بالشرق الأوسط.
ويمثل ذلك تراجعا كبيرا بالنسبة للرئيس الذي أمضى معظم ولايته في النأي عن تدخل دبلوماسي أعمق في مشاكل المنطقة، وهو ما يثير تساؤلات عن سبب التزامه بمثل هذا الهدف الصعب، وما الذي سيجنيه من ورائه وما إذا كان الأمر سيفضي لأن يدفع ثمنا باهظا جدا في نهاية المطاف.
ويقول أشخاص مطلعون إن محاولة التوسط في العلاقات بين إسرائيل والسعودية، هي محور المفاوضات المعقدة التي تتضمن مناقشات بشأن ضمانات أمنية أميركية ومساعدة تتطلع لها الرياض في مجال الطاقة النووية المدنية، بالإضافة إلى تقديم تنازلات إسرائيلية للفلسطينيين.
وفي حين يصر المسؤولون الأميركيون على أن تحقيق أي انفراجة لا يزال بعيد المنال، فإنهم يروجون سرا للمنافع المحتملة للاتفاق، مثل التخلص من احتمال وصول الصراع العربي – الإسرائيلي إلى نقطة اشتعال، وتعزيز تحصين المنطقة في مواجهة إيران، ومواجهة نفوذ ونجاحات الصين في منطقة الخليج.
كما سيحقق بايدن نصرا على صعيد السياسة الخارجية بينما يسعى لإعادة انتخابه رئيسا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
وقال النائب السابق لمسؤول المخابرات الوطنية لشؤون الشرق الأوسط في الحكومة الأميركية، جوناثان بانيكوف، والذي يعمل الآن في المجلس الأطلسي إن “هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تسوء، ولكن إذا تم الأمر فقد يكون إنجازا عظيما للسياسة الخارجية”.
فرصة سانحة؟
وتقول مصادر مطلعة إنه على الرغم من أن الجدول الزمني لا يزال غير مؤكد، يعتقد مساعدو بايدن أنه قد تكون هناك فرصة سانحة وحاسمة لصياغة اتفاق قبل أن تطغى الحملة الرئاسية على جدول أعماله.
لكن المسؤولين الأميركيين يعترفون بوجود العديد من العقبات التي تجعلهم لا يملكون أي ضمانة للنجاح؛ فيما أجريت مفاوضات إسرائيلية سعودية بوساطة مبعوثين لبايدن.
وقال مسؤول أميركي رفيع تحدث لوكالة “رويترز” وطلب عدم نشر اسمه، إنه “نتحدث بفعالية… ولكن لا توجد حتى مجموعة من المبادئ في الوقت الراهن لما سيبدو عليه الاتفاق”.
ومع ذلك، يقول أشخاص مطلعون على المناقشات إن مساعدي بايدن بدأوا في إحاطة كبار المشرعين بالتطورات.
وينصب التركيز على زملاء بايدن الديمقراطيين الذين أدانوا السعودية بسبب سجل حقوق الإنسان، ولكن دعمهم سيكون ضروريا إذا تطلب أي اتفاق موافقة الكونغرس.
مواجهة غير مباشرة مع الصين
وتشمل العوامل المقترنة التي تحرك الإدارة الأميركية شعورا بالحاجة الملحة للتصرف بشأن الجهود التي تبذلها الصين للحصول على موطئ قدم إستراتيجي في السعودية ودول خليجية أخرى، وكذلك رغبة واشنطن في تحسين العلاقات مع الرياض التي تعهد بايدن يوما بجعلها “منبوذة”.
وقد يساعد الجمع بين القوتين العسكريتين، إسرائيل والسعودية، في إضفاء طابع رسمي على التعاون ضد إيران، العدو المشترك الذي تريد واشنطن احتواءه.
ويقول أشخاص مطلعون على الأمر إن الإدارة الأميركية تتطلع أيضا إلى إعادة تأكيد دورها القيادي في المنطقة لمنع السعودية والدول الخليجية النفطية الأخرى من الابتعاد أكثر عن الجهود الرامية لعزل روسيا بسبب الحرب التي تشنها على أوكرانيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن من شأن التطبيع أن يستميل الناخبين المؤيدين لإسرائيل في الانتخابات، ويجعل من الصعب على الجمهوريين مهاجمة بايدن بسبب العلاقات المتوترة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو.
ومع أن السياسة الخارجية نادرا ما تؤثر على الانتخابات الأميركية، فإن بايدن، الذي سيخوض المعركة من أجل إعادة انتخابه أمام الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، ربما يفكر في إرثه.
وقال المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط، آرون ديفيد ميلر، الذي يعمل الآن في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي، “ستكون صفقة كبيرة، لكن السؤال المطروح هو ما الثمن الذي يرغب بايدن في دفعه مقابل ذلك”.
مطالب سعودية
ومن بين التحديات الراهنة أمام إدارة بايدن، إرضاء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية.
ويتردد أن بن سلمان يسعى إلى معاهدة على غرار معاهدة حلف شمال الأطلسي، تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية في حالة تعرضها لهجوم، وأنه يريد أيضا الحصول على أسلحة متقدمة والمساعدة لإنشاء برنامج نووي مدني.
وبينما يطلب السعوديون من الإسرائيليين تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين للحفاظ على المساعي الرامية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو أمر يسعى بايدن أيضا لتحقيقه، لم تظهر حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة استعدادا يذكر لتحقيق هذا.
موقف الكونغرس
وقد يواجه تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية مقاومة في الكونغرس، حيث ينتقد الكثيرون محمد بن سلمان بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018، وتدخل الرياض العسكري في اليمن.
وقال السناتور كريس ميرفي في حديث لـ”رويترز”، إنه “بالتأكيد أشعر بقلق كبير تجاه معاهدة دفاع تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الحكومة السعودية التي أثبتت أنها تتصرف بشكل غير مسؤول بدرجة كبيرة في المنطقة”.
وأضاف ميرفي، المنتمي للحزب ديمقراطي وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنه يفضل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية ومنفتح على مراجعة أي اتفاق أوسع نطاقا لكن لن يقتنع بسهولة.
ومع ذلك، فإن جاريد كوشنر الذي قاد في عهد ترامب جهودا انتهت بتوقيع ثلاث اتفاقيات تطبيع مع إسرائيلي تُعرف باسم “اتفاقيات أبراهام”، حث والد زوجته على النظر في دعم جهود بايدن باعتبارها شهادة لسجل ترامب في الشرق الأوسط، وذلك وفقا لشخص مطلع على المناقشات.
ماذا عن ائتلاف نتنياهو المتطرف؟
أما بالنسبة لنتنياهو، فإن العلاقات الدبلوماسية مع السعودية ستكون جائزة طال انتظارها ويمكن أن تشجع دولا إسلامية أخرى على أن تحذو حذوها وتمهد الطريق أيضا لتوسيع التكامل الاقتصادي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط الأوسع.
لكن من المرجح أن يقاوم ائتلاف نتنياهو أي خطوات حقيقية وملموسة لصالح الفلسطينيين، الأمر الذي قد يؤدي إلى عرقلة أي اتفاق تطبيع. ويمكن أن تقدم محادثات بايدن مع نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم غد الأربعاء، مؤشرا يوضح مدى الخطوات التي هو على استعداد لاتخاذها لتحقيق هذا الاتفاق.
علما بأن نتنياهو نفسه شدد في مقابلة مع وكالة “بلومبرغ” الأميركية، في آب/ أغسطس الماضي، أنه لا يعتزم تقديم تنازلات جدية تذكر للفلسطينيين في إطار الاتفاق مع السعودية، الأمر الذي أكده لاحقا وزير خارجيته، إيلي كوهين، الذي قال إن المطالب السعودية بشأن الفلسطينيين لن تشكل عقبة أمام جهود التطبيع.
كما شدد وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الوزير في وزارة الأمن والمسؤول عن ملف الاستيطان، على أن إسرائيل “لن تقدم تنازلات” لصالح الفلسطينيين مقابل التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض.
ومثل محمد بن سلمان، لم يفعل نتنياهو الكثير لتبديد الانطباع بأنه ربما يفضل التعامل مع إدارة ترامب الذي يستعد لخوض السباق الرئاسي للفوز بولاية جديدة، مما يزيد من الاحتمال بأنهما سينتظران نتيجة الانتخابات المقبلة.
ويقول خبراء إنه إذا نفد الوقت، فقد تلجأ الإدارة الحالية إلى القبول باتفاق محدود أو محاولة الاتفاق على الخطوط العريضة لاتفاق مستقبلي. والفكرة من هذا هي تسوية التفاصيل لاحقا إذا فاز بايدن بولاية ثانية.