طهران- تنفيذا للوعود التي أطلقها إبان حملته الانتخابية، في يونيو/حزيران 2021، بذلت حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منذ توليها مقاليد الحكم، جهودا للانضمام إلى التكتلات والاتحادات الاقتصادية والسياسية على المستويين الإقليمي والدولي.
فبعد توقيعها اتفاقية مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، في يناير/كانون الثاني 2022 لإنشاء منطقة تجارة حرة، عزّزت طهران وجودها في التكتلات الدولية من خلال الحصول على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون، مطلع يوليو/تموز الماضي، ما رفع عزيمتها للانخراط في مجموعة بريكس التي وافقت الأسبوع الماضي على دعوة إيران إلى جانب كل من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا والسعودية والإمارات إلى عضويتها.
في غضون ذلك، تحتفل طهران بالانضمام إلى التكتلات الدولية إلى جانب توقيع الاتفاقيات الإستراتيجية طويلة المدى مع كل من الصين وروسيا. وتعتبر نجاح دبلوماسيتها في المجالين الجيواقتصادي والجيوإستراتيجي سبيلا لكسر الأحادية الغربية وإرساء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يمكنها من فك العزلة التي تفرضها القوى الغربية عبر نظام العقوبات.
تعددية الأقطاب
وفي السياق، اعتبر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الانضمام لمنظمة شنعهاي “سيوفر لإيران الشروط اللازمة لتعزيز الأمن وضمان السيادة والتنمية الاقتصادية المستدامة”، في حين رأى أن انضمام بلاده لـبريكس “سيعزز معارضة التكتل للهيمنة الأميركية”، وفق تعبيره.
من ناحيته، وصف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الانخراط في مجموعة بريكس التي تضم الاقتصادات الناشئة الكبرى بأنه “نجاح كبير”، مؤكدا في تصريح صحفي، أنه “بالاضافة إلى دعم التعددية، يمكنه أن يوفر الأرضية لمواصلة الأهداف وتطوير باقي الإستراتيجيات الكبرى للحكومة في تطبيق الدبلوماسية النشطة”.
برلمانيا، يقرأ رئيس كتلة الشؤون الإستراتيجية محمد رضا ميرتاج الديني، انضمام بلاده إلى التكتلات الدولية في سياق فك عزلة طهران الاقتصادية ومواجهة الضغوط الغربية، ويقول إن طهران ستكون أحد أركان النظام العالمي الذي بدأ يتبلور بمشاركة الثالوث الشرقي: روسيا والصين والهند.
ويعتبر ميرتاج الديني -في حديثه للجزيرة نت- أن انخراط طهران في الاتحادات الإقليمية والدولية “يعزز مكانتها الجيو-إستراتيجية في مواجهة الغطرسة الغربية”، على حد قوله، مضيفا أن الحضور الإيراني النشط إلى جانب الاقتصادات الصاعدة يمثل نقلة نوعية في وضع حد للأحادية الغربية وإقامة نظام عالمي جديد.
مصالح اقتصادية
ويعتقد النائب المحافظ، أن انضمام طهران إلى الاتحادات الاقتصادية مؤشر على “فشل” المشروع الأميركي الرامي إلى عزل إيران سياسيا واقتصاديا، مؤكدا أن السياسات النقدية والمالية الخاصة بهذه الاتحادات ستنعكس إيجابا على الاقتصاد الإيراني؛ فضلا عن عزم إيران متابعة “إزالة الدولرة” (وقف التعامل بالدولار الأميركي) في إطار التكتلات الاقتصادية.
وتعوّل شريحة من المراقبين الإيرانيين على الطاقات الاقتصادية المتوفرة لدى المنظمات التجارية لإسعاف الاقتصاد الوطني المحاصر وتعزيز فرص التجارة الخارجية في ربوع العالم.
في السياق، يرى رئيس غرفة إيران للتجارة والصناعة حسين سلاح ورزي، أنه في ظل استمرار العقوبات والضغوط الغربية على بلاده فإن من شأن الانضمام إلى تكتلات اقتصادية ناشئة أن ينفّس عن الاقتصاد الوطني من خلال توفير حلول بديلة للمبادلات المالية وخلق طاقات جديدة للنمو الاقتصادي.
حلول بديلة
وتشكّل الدول الأعضاء في تكتل بريكس نحو 40% من مساحة الكرة الأرضية، ويعيش فيها أكثر 3.5 مليارات نسمة، وقال سلاح ورزي للجزيرة نت، إنه متفائل ببعض القرارات التي تتخذها هذه الاتحادات لا سيما “التجارة بالعملات الوطنية وإطلاق عملة موحدة بديلة للدولار وتأسيس بنك التنمية الجديد (NDB)”.
واستدرك، أن هذه القرارات قد لا تسد حاجة طهران من المبادلات المالية مع جميع دول العالم إلا أن تعميق انخراطها في المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية، سيشكل عاملا مساعدا للتجارة الخارجية وزيادة حصة طهران من التجارة العالمية، وسيفتح منفذا للتخلص من التداعيات السلبية المترتبة على العقوبات.
ولفت رئيس غرفة إيران للتجارة والصناعة، إلى أن القطاع الخاص يواجه ضغوطا أجنبية في التجارة الخارجية بسبب العقوبات المفروضة على البلاد، وحث الخارجية الإيرانية على تحييد العقوبات أولا ثم العمل على إيجاد حلول بديلة للمبادلات المالية والنهوض بالاقتصاد الوطني عبر الوصول إلى أسواق جديدة.
عقدة العقوبات
في المقابل، يقلل نائب رئيس “الدار الإيرانية للصناعة والتجارة والمناجم” آرمان خالقي، من أهمية الانضمام إلى التكتلات الدولية والإقليمية في ظل بقاء طهران تحت طائلة العقوبات التي يعتبرها عقدة كبيرة أمام علاقات بلاده التجارية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف خالقي الانخراط في المنظمات الدولية “شرطا لازما لتنمية الاقتصاد الوطني لكنه غير كاف”، موضحا أن جميع المساعي للنمو الاقتصادي ستبقى منقوصة حتى رفع كامل العقوبات وإخراج إيران من القائمة السوداء بسبب عدم مصادقتها على قوانين مجموعة العمل المالي (فاتف).
وخلص إلى أن الانضمام إلى المنظمات الدولية لا يعني فتح الباب على مصراعيه أمام الأعضاء الجدد للاستفادة من طاقاتها، مؤكدا أن العديد من الدول الأعضاء في التكتلات الدولية لديها ملاحظات جدية للتعامل مع الأطراف التي تخضع للعقوبات والضغوط الدولية.
وختم بالقول، إن تعديل السياسة الخارجية لتخفيف التوترات والضغوط الغربية المفروضة على طهران سيمهد الطريق لاستفادة الاقتصاد الإيراني من كامل الفرص المتوفرة لدى المنظمات الاقتصادية.