لا تتوّرع إدارة بايدن عن تقديم هذه الهدايا لإسرائيل بقيادة نتنياهو كمقدمة للجائزة الكبرى المتمثلة بـ”رأس” السعودية، أكبر وأغنى دولة من الدول العربية التي لم توقِّع اتفاق سلام مع إسرائيل حتى الآن.
رغم أجواء التوتر السائدة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية في عهد بايدن، والتي وُصفت بأنها من أشد الأزمات التي شهدتها العلاقات التاريخية بين الإدارتين، تواصل إدارة بايدن دعمها لإسرائيل وتقديم الهدايا والجوائز غير المتوقعة لها، في خط مستقيم لا يحيد عن عزمها التأكيد على التمييز بين التحالف الإستراتيجي الثابت، الذي يعتبر إسرائيل ركيزة أميركية في المنطقة، وبين أية خلافات تقع مع هذه الحكومة أو تلك أو أطراف منها لا تروق لهذه الإدارة الأميركية، أو غيرها.
تأكد ذلك في ضوء مصادقة الإدارة الأميركية على صفقة الأسلحة الضخمة التي أبرمتها إسرائيل مع ألمانيا بقيمة 14 مليار شيكل، والتي سيتمّ بموجبها تزويد الأخيرة بصواريخ “حيتس 3” التي صنعت وجرى تطويرها بشراكة بين إسرائيل والولايات المتحدة، رغم أن هذه تشكل مساهمة كبيرة في كسر الحصار الاقتصادي التي تحاول حركة الاحتجاج الإسرائيلية استثماره في الضغط على حكومة نتنياهو، لدفعها إلى التراجع عن خطتها في “الانقلاب على القضاء”.
وفي وقت يراهن البعض بأن تؤثر الأزمة الناشئة في العلاقة بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو على مجمل العلاقة الأميركية الإسرائيلية، مثلما يراهنون على الخلاف الإسرائيلي الداخلي حول الإصلاحات القضائية، بمعنى حدوث تصدّع في أهم ركيزتين يستند إليهما وجود وبقاء إسرائيل؛ صدع داخلي وصدع في العلاقة الإسرائيلية الأميركية.
وفي وقت تراهن حركة الاحتجاج الإسرائيلية على هاتين الوسيلتين في صراعها ضد حكومة نتنياهو، فإن إدارة بايدن تحرص من جهة في الحفاظ على إبقاء إسرائيل قوية عسكريا وسياسيا واقتصاديا، بما يخدم مصالحها الاستعمارية في المنطقة والعالم، والتي تدخل في نطاقها صفقة دبابات “المركفاة” التي ستزود إسرائيل بها كلًّا من أوكرانيا وبولندا .
ولا تتوّرع إدارة بايدن عن تقديم هذه الهدايا لإسرائيل بقيادة نتنياهو كمقدمة للجائزة الكبرى المتمثلة بـ”رأس” السعودية، أكبر وأغنى دولة من الدول العربية التي لم توقِّع اتفاق سلام مع إسرائيل حتى الآن، لتغلق بذلك دائرة التطبيع بين العالم العربي وإسرائيل في أحطّ عملية التفاف على القضية الفلسطينية، وأكثرها قذارة، بعد “اتفاقيات أبراهام” سيئة الصيت.
والحال كذلك يبدو أن عملية شد الحبل إلى أقصى اليمين التي بام بها نتنياهو، تؤتي أكلها في المستويين الداخلي والخارجي المتمثل بالعلاقة مع الولايات المتحدة، فهي من جهة تجعل إدارة بايدن تفعل أقصى ما يمكن فعله لإعادته إلى حظيرة المركز أو اليمين الإسرائيلي التقليدي وتدفع من جهة ثانية، بأطراف في الساحة السياسية الإسرائيلية إلى رفع “الحظر السياسي” المفروض عليه، بسبب ملفاته الجنائية والتفكير باستبدال بن غفير وسموترتش في حكومة برئاسته، بدعوى إنقاذ إسرائيل.
والمفارقة أن تصبح السعودية بمثابة حبل الإنقاذ ليس فقط لإسرائيل ذاتها، بل لنتنياهو وحكومته أيضا، وفي هذا السياق وتحت عنوان “سلام مع السعودية ينقذ إسرائيل”، كتب الصحافي المعروف آري شافيط في صحيفة “ماكور ريشون”، أن قليلين وجيدين في المكاتب المقررة في تل أبيب والقدس مشغولون بمبادرة وحيدة من شأنها إخراج إسرائيل من المستنقع الملوث الذي غطست فيه، حيث يعرف الجميع أن حكومة الانقلاب على نظام الحكم الذي يقوده ياريف لفين هي رحلة إلى المجهول، وأنها بدلا من إحداث تعديل دستوري معتدل، تتسبب بحرب أهلية، كما أن الجميع يعرف أن حكومة التمييز ضد العرب بقيادة بتسلئيل سموتريتش، هي رحلة إلى جنوب إفريقيا، وأنها بدلا من تقوية إسرائيل ستضعفها وتجعلها دولة معزولة وجرباء، وأن حكومة الفوضى التي يقودها بن غفير هي رحلة إلى الكارثة، فهي تسحق الأجهزة الرسمية، وتحطم القيم الرسمية، وتلقي بإسرائيل إلى هاوية سحيقة.
ويواصل شافيط قائلا إن الطريق الوحيدة التي يستطيع بنيامين نتنياهو من خلالها إنقاذ دولته، وإنقاذ حكومته، وإنقاذ إرثه، هي فقط التوصل إلى “سلام مع السعودية”، وهو يرى أن الاتفاق السياسي المنتظر بين إسرائيل والسعودية هو “الأرنب” الأخير الذي يمكن للساحر أن يخرجه من قبعته و”الجوكر” الأخير والأمل الأخير.
ويختم شافيط الذي يرى بهذه المهمة تحديا كبيرا مقاله بالقول، إن النجاح فيها يعني إقامة سلام عربي – إسرائيلي شبه كامل في الشرق الأوسط، إضافة إلى تغيير حكومة اليمين – يمين في إسرائيل، بحكومة “وحدة وطنية”، ناهيك عن أنها تساهم في منع حرب مع إيران و”حزب الله”، وإنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية.
والسؤال هو؛ لماذا تمنح السعودية كل هذه الهدايا لإسرائيل على حساب القدس والأقصى وفلسطين؟