أخبار العالم

سورية: مخلفات الحرب لا تزال تحصد الأرواح

يقدر خبراء أن عشرات الآلاف من الألغام الأرضية لا تزال مدفونة في جميع أنحاء سورية، وخاصة في مناطق خطوط المواجهة السابقة مثل ريف إدلب.

كان سليمان خليل يحصد الزيتون في بستان سوري مع صديقين له قبل أربعة أشهر، غافلين عن أن التربة تحتهم لا تزال تخفي بقايا حرب مميتة.

فجأة لاحظ الثلاثة لغمًا مرئيًا على الأرض. أصيب خليل وصديقاه بالذعر، فحاولا المغادرة، لكنه داس على لغم أرضي فانفجر.

أصيبت ساق خليل اليسرى بجروح بالغة في الانفجار الأول، بينما بترت ساقه اليمنى من فوق الركبة في الانفجار الثاني. استخدم قميصه لربط الجزء المتبقي من العضو المبتور وصرخ طلبًا للمساعدة حتى سمعه جندي قريب وهرع لمساعدته.

خليل، من قرية قميناس، جنوب محافظة إدلب السورية، يحلم بطرف اصطناعي ليتمكن من العودة إلى عمله وإعالة أسرته.

ألغام لا تزال تحصد الأرواح

في حين انتهت “الحرب السورية” التي دامت قرابة 14 عامًا بسقوط بشار الأسد، لا تزال مخلفات الحرب تحصد الأرواح. فقد أدى التلوث الناجم عن الألغام الأرضية ومخلفات المتفجرات إلى مقتل 249 شخصًا، بينهم 60 طفلاً، وإصابة 379 آخرين منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر، وفقًا لمنظمة الأمن الدولية غير الحكومية “آي إن إس أو”، التي تنسق سلامة عمال الإغاثة.

تسببت الألغام ومخلفات المتفجرات – التي استخدمت على نطاق واسع منذ عام 2011 من قبل قوات النظام البائد وحلفائه وكذلك من قبل جماعات معارضة مسلحة – في تلويث مناطق شاسعة، لم يتح الوصول إلى الكثير منها إلا بعد انهيار نظام الأسد، مما أدى إلى ارتفاع كبير في عدد ضحايا الألغام الأرضية، وفقًا لتقرير حديث صادر عن “هيومن رايتس ووتش”.

واقفًا أمام قبر شقيقه، رفع صلاح سويد صورة على هاتفه له وهو يبتسم خلف كومة من الألغام المفككة. كان محمد يبلغ من العمر 39 عامًا عندما توفي في 12 كانون الثاني/ يناير 2025 أثناء قيامه بإزالة الألغام في قرية بإدلب.

كان عضوًا سابقًا في “الحرس الجمهوري” السوري، وتدرب على زرع وتفكيك الألغام، وانضم لاحقًا إلى المعارضة خلال الثورة.

يقول سويد في تقرير لوكالة “الأسوشيتدبرس”، إن عائلته “حذّرت شقيقه محمد من الذهاب إلى المناطق الخطرة لإزالة الألغام منها”.

عمل محمد مع الوحدات التركية في أعزاز، وهي مدينة تقع شمال غرب سورية، مستخدمًا معدات متطورة، ولكن يوم وفاته، كان يعمل بمفرده. فبينما كان يبطل مفعول لغم، انفجر آخر مخبأ تحته.

بعد سقوط الأسد، ازدادت حالات تناثر الألغام في قريته بريف إدلب، يوضح شقيقه، ويضيف أنه “بدأ التطوع لإزالتها – غالبًا بدون معدات مناسبة – استجابة لنداءات السكان للمساعدة، حتى في أيام العطلات عندما كان فريق إزالة الألغام التابع له خارج الخدمة”.

عشرات الآلاف من الألغام لا تزال مدفونة

زرع الجيش في عهد نظام الأسد متفجرات منذ سنوات “لردع مقاتلي المعارضة”، ولكن حتى بعد أن استولى النظام على الأراضي المجاورة، لم يبذل جهدًا يذكر لإزالة الألغام التي خلفها وراءه.

يقدر الخبراء أن عشرات الآلاف من الألغام الأرضية لا تزال مدفونة في جميع أنحاء سورية، وخاصة في مناطق خطوط المواجهة السابقة مثل ريف إدلب.

– مقتطف صوتي بالعربية لأحمد جمعة، عضو الوحدة 52، والذي يقود جهود إزالة الألغام في وزارة الدفاع السورية

أحمد جمعة وهو عضو الوحدة 52، والذي يقود جهود إزالة الألغام في وزارة الدفاع السورية، تحدث لـ”الأسوشيتدبرس” أثناء مسحه للأراضي الزراعية في منطقة ريفية شرق معرة النعمان بجهاز كشف محمول، مشيرًا إلى لغم مضاد للأفراد واضح للعيان مدفون في تربة جافة.

تجدر الإشارة إلى أن الزراعة مصدر الدخل الرئيسي لسكان ريف إدلب، مما يجعل وجود الألغام خطرًا يوميًا.

بدأ فريق جمعة لإزالة الألغام تفكيك الألغام فورًا بعد الإطاحة بالحكومة السابقة. لكن عملهم يأتي بتكلفة باهظة.

“هيئة سورية أممية مشتركة”

ويوضّح جمعة أن أجهزة المسح المتطورة اللازمة للكشف عن العبوات المدفونة أو البدائية نادرة. ولا يزال العديد من الألغام الأرضية مرئيًا للعين المجردة، لكن بعضها أكثر تطورًا ويصعب اكتشافه.

وفقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، فإن الألغام الأرضية لا تقتل وتشوه فحسب، بل تسبب أيضًا صدمات نفسية طويلة الأمد وعواقب سلبية واسعة النطاق، كالنزوح وفقدان الممتلكات وتقليص فرص الحصول على الخدمات الأساسية.

وتحث المنظمة الحقوقية الحكومة الانتقالية على إنشاء “هيئة مدنية لمكافحة الألغام”، بالتنسيق مع دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، لتبسيط وتوسيع جهود إزالة الألغام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content