خبير: الجيش الإسرائيلي يتفتت وإصلاحه خلال الحرب غير ممكن
“ليس فقط قادة الفرق يتمردون، وإنما الجنود أيضا. وهذا الوضع يتصاعد إثر النسبة المرتفعة للمقاتلين المتماثلين مع اليمين واليمين الديني، وتزايدت خطورته بزعم إسهام اليسار بإضعاف الجيش من خلال الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي”
لفت الباحث في العلاقات بين الجيش والمجتمع في إسرائيل، بروفيسور ياغيل ليفي، إلى أن ظواهر تحدث في الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الحالية على غزة تشير إلى أن “عملية تفتت” داخلية جارية في الجيش، وأن “إصلاح الجيش” لا يمكن أن يتم طالما أن هذه الحرب مستمرة.
وتوصل ليفي، المحاضر في الجامعة المفتوحة في مقاله في صحيفة “هآرتس” اليوم، الثلاثاء، إلى استنتاجاته هذه على إثر تصريحات وتصرفات ضباط كبار وكذلك جنود نظاميين وفي قوات الاحتياط، وفي ظل الشرخ السياسي والاجتماعي الإسرائيلي الداخلي.
وبرأيه، فإن القضايا التي أثارها، مؤخرا، قائدا الفرقتين العسكريتين، دن غولدفوس وباراك حيرام، هي “ليست إلا مؤشر على تفتت السلسلة القيادية للجيش، وهي أخطر مما يُعتقد”. وأشار أيضا إلى أن قائد الفرقة 36، دافيد بار خاليفا، “طالب جنوده من خلال أمر عسكري بالانتقام من الفلسطينيين، من دون أن يتعالى أي تحفظ في هيئة الأركان العامة”.
ولذلك، أضاف ليفي، “ليس مستغربا أنه عندما صدرت أوامر لبار خاليفا بإخلاء قواته من القطاع، تعالى الاشتباه في هيئة الأركان العامة بأن تعليمات رئيس أركان الجيش غامضة عمدا”.
وقال غولدفوس لوسائل إعلام إسرائيلية إن القيادة السياسية “ليست جديرة بالجنود” الذين يتوغلون في قطاع غزة. وحيرام أصدر أمر لدبابة بإطلاق قذيفة على منزل في “غلاف غزة” تواجد فيه مواطنون إسرائيليون ومقاتلون من حماس، في 7 أكتوبر، ما أسفر عن مقتل 12 مواطنا، وحذر المستوى السياسي خلال مقابلة في بداية الحرب من مفاوضات سياسية. “وصمت رئيس أركان الجيش حينها أيضا”.
وتابع ليفي أنه “ليس فقط قادة الفرق يتمردون، وإنما الجنود أيضا”، ومثال على ذلك مقاطع فيديو ينشرها جنود خلال وجودهم في القطاع ودعواتهم إلى العودة للاستيطان فيه، واستخدام الشبكات الاجتماعية لتوجيه انتقادات حول مزاعم لجم ممارسة القوة وعمليات نهب بيوت الفلسطينيين، “وهذه كلها هي تعبير عن الغليان من أسفل التي يواجه رئيس أركان الجيش صوبة في مواجهتها أو يرتدع من لجمها”.
ووفقا لليفي، فإنه “تتراكم عدة ظروف تشجع على التفتت. أولا، التدريج القيادي يضعف في فترة الغموض التي بين أفول التجنيد الإلزامي وتطور التجنيد التطوعي. وهذه المرحلة التي فيها، بالأساس، يؤمن مقاتلو ومقاتلات الاحتياط بأن لديهم حق استثنائي لإسماع صوتهم، على إثر مستوى الانتقائية المرتفع لخدمة الاحتياط التي تحولهم إلى أقلية صغيرة جدا”.
وأشار إلى أن “هذه الظاهرة اتسعت في السنوات الأخيرة إلى صفوف مقاتلي الخدمة النظامية أيضا، التي جرت تدريجيا هي أيضا إثر حجم الإعفاء من التجنيد، ونسبة أولئك الذين لا يخدمون في وحدات قتالية”.
والظرف الثاني الذي يشجع على تفتت الجيش، هو أن “هذه الأجواء في صفوف الجيش تتكتل مع الظروف الخاصة للحرب. فالمقاتلين والمقاتلات يشعرون بأنه ليس فقط أن عبء التضحية ملقى على كاهل قلائل، الذين يطالبون بالمخاطرة بحياتهم والخدمة في غزة لفترات طويلة، وإنما هؤلاء القلائل ينقذون أيضا أمن الدولة من أيدي القيادة السياسية والقيادة العسكرية العليا الذين أخفقوا”.
ورأى ليفي أن “هذا الوضع يتصاعد إثر النسبة المرتفعة للمقاتلين المتماثلين مع اليمين واليمين الديني، الذين يعتبرون أنهم يخلّصون الدولة من الكارثة التي فُرضت عليهم من جانب حكومات انهزامية وتزايدت خطورتها بسبب إسهام اليسار بإضعاف الجيش من خلال الاحتجاجات ضد الانقلاب على النظام القضائي. وعلى هذه الخلفية تطور غليان في أوساط جنود منذ بداية الحرب”.
والظرف الثالث هو أن “سياسيين يعرقلون السلسلة القيادية، وفي هذه الحالة هؤلاء هم السياسيون من اليمين الذين يدعمون تصرفات شاذة لضباط وجنود”.
ولفت ليفي إلى أنه “في ظل هذه الظروف المتراكمة، امتنع رئيس أركان الجيش عن لجم سلوك الجنود، لأنه كيف سيجرؤ على معاقبة عنصر في الاحتياط الذي يخدم منذ أسابيع في غزة وقرر أن يلتقط صورة له مع ممتلكات نهبها أو حذر الحكومة المنتخبة؟ وهكذا فقد رئيس أركان الجيش السيطرة”.
وأضاف أن “قادة الفرق رفعوا من قدرة المساومة لدى ’الميدان’ من أجل إظهار قوتهم. والآن يتشكل الظرف الرابع للتفتت الداخلي: إنه يتعاظم فيما هو واضح للقيادة الميدانية أن تضحية المقاتلين لا تترجم إلى إنجاز، الذي يمكن أن يكون دائما إنجازا سياسيا فقط، ولذلك فإن كل ما تبقى هو التوحل الميداني دون هدف وتكبد خسائر”.
وخلص ليفي إلى أنه “لن يكون هناك انتصار. وانعدام الثقة بمن جرّ الجيش إلى الحضيض دفع ضباطا إلى اتهام الذين غرزوا سكينا في ظهر الجيش، ووفقا لخطاب غولدفوس، هؤلاء هم سياسيون لا يليقون بجنودهم”.