أدخلت تغييرات على المعلومات الموجودة على ويكيبيديا للتقليل من حجم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها إيران في مجال حقوق الإنسان، فقد علمت صحيفة التايمز بوجود تخوف كبير من ظهور “أذناب” ومؤيدين لإيران يستعينون بموقع ويكيبيديا للتلاعب بالمعلومات المتاحة لكل الناس عندما يتصل الأمر بوجود محتوى يتصل بهذا النظام.
فقد جرى تغيير معلومات لتشويه سمعة جماعات إيرانية معارضة، في حين أضيفت منشورات وضعتها الحكومة على أنها مصادر إخبارية محايدة ضمن هذه الموسوعة الحرة الموجودة على الإنترنت.
ففي إحدى الحالات، حذفت تفاصيل محورية حول الإعدامات الجماعية التي ينفذها النظام الإيراني، كما حذفت حقائق حول تورط مسؤولين كبار في النظام الإيراني الحالي في عمليات لجان الموت التي تشكلت في عام 1988 والتي قتل بسببها الآلاف من السجناء السياسيين.
إغلاق لصفحة معارض
وفي إطار منفصل، أحبطت جهود مؤيدي الناشط الحقوقي الإيراني وحيد بهشتي الذي أضرب عن الطعام في المملكة المتحدة، عندما حاولوا إنشاء صفحة له على ويكيبيديا، وقد تكرر ذلك مرات عديدة، إذ أعلنت زوجة بهشتي، ماتي هيفين، عن أربع محاولات أجروها لإنشاء صفحة لزوجها على ويكيبيديا، وذلك بسبب انتشار كثير من المعلومات المغلوطة عن زوجها عبر الإنترنت، على الرغم من أنه مايزال يضعط على الحكومة البريطانية حتى تصنف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.
وتخبرنا هيفين بأن النص حذف مرات عديدة ما جعل الصفحة تختفي، وتعلق بقولها: “نعتقد بأن الجيش السيبراني الإيراني هو من فعل هذا”.
ولدى سؤالها، ذكرت مؤسسة ويكيبيديا وهي منظمة غير ربحية تدير هذا الموقع بأن محررين متطوعين في مختلف بقاع العالم يضعون كامل المحتوى الذي ينشر على ويكيبيديا، أما سياستها فتشترط تقديم معلومات محايدة وصحيحة جرى التحقق منها عبر مصادر موثوقة، وأضافت المتحدثة باسم ويكيبيديا أنه توجد ضوابط كثيرة لمعالجة التضليل الإعلامي، وتشمل تلك الضوابط حظر المنتهكين المتسلسلين.
حذف لفضائح الحكومة الإيرانية
شملت عمليات الحذف الأخرى إزالة لمراجع تدل على سجن مسؤول إيراني في السويد في عام 2022 بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان وطرد دبلوماسيين إيرانيين اثنين من ألبانيا في عام 2018 بسبب تورطهما في مخطط لتنفيذ تفجير يستهدف معارضين هناك.
ولم تعرف الجهات التي نفذت ذلك على ويكيبيديا، لذا من المستحيل البحث في دوافعها.
بيد أن هيفين التي تعمل مستشارة للسياسات والمناصرة لدى المنظمة الدولية لصون حقوق الإنسان ترى بأن المعلومات المضللة على الإنترنت تحولت إلى أداة مهمة بيد النظام الإيراني، وقالت: “من المهم جداً بالنسبة لهم التركيز على ما يفكر به العالم، وذلك حتى يحظوا بالشرعية في عيون الناس، أي أنهم لا يهمهم ما يفعلونه في إيران، لأنهم يفعلون ما يحلو لهم، وكل ما يهمهم هو نظرة العالم لهم، لذا إن كان بوسع النظام ممارسة التشويش وإدخال معلومات مضللة فسيفعل ذلك حتماً”.
مخططات إرهابية إيرانية في بريطانيا
وهذا ما دفع بمسؤولين بريطانيين في مجال الأمن لانتقاد تلك الأساليب الإيرانية، اعترافاً منهم بوجود خطر متزايد يهدد المملكة المتحدة، إذ أعلنت هيئة المخابرات العسكرية والشرطة البريطانية عن إحباطهما لما لا يقل عن 15 مخططاً لخطف أو قتل معارضين إيرانيين في بريطانيا منذ مطلع عام 2022. وخلال الشهر الماضي، أدين جاسوس إيراني بتهمة “التجسس لصالح دولة معادية” استعداداً لتنفيذ هجوم إيراني على قناة دولية متخصصة بالشأن الإيراني وناطقة باللغة الفارسية، كونها عرضت فيديوهات للمظاهرات التي خرجت في إيران وتحدثت عن الترويع الذي تموله الدولة في طهران.
اختلافات جلية بين النسختين الفارسية والإنكليزية
يعتبر التضليل الإعلامي عبر الإنترنت أداة مهمة يستعين بها النظام الإيراني، إذ في عام 2019، كشف موقع “أوبن ديموكراسي” عن وجود اختلافات كبيرة في التقارير الصادرة حول الشأن الإيراني والموجودة ضمن النسخة الفارسية لويكيبيديا مقارنة بالنسخة الإنكليزية. كما أن الصفحة الفارسية التي تتحدث عن التدخل الإيراني في الحرب السورية اعتمدت على تصريحات لمسؤولين إيرانيين تتصل بنظرية المؤامرة من دون غيرها، في حين أوردت الصفحة الإنكليزية سردية أدق.
لم يظهر أي تلاعب في النسخة الإنكليزية لويكيبيديا في الوقت الحالي، ومعظم التعديلات التي أدخلت عليها فيما يخص الشأن الإيراني تتعلق بحركة “مجاهدي خلق” في إيران وهي جماعة معارضة منفية دعمت فكرة إسقاط الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن حذفت من تلك الصفحة بنسختها الإنكليزية سلسلة من المعلومات التي تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها مسؤولون إيرانيون، وذلك خلال الصيف الماضي، فقد غير مستخدمون مجهولون ذلك المحتوى متذرعين بالحاجة لتعديل النص وتهذيبه كما ادعى بعضهم بأن المادة تافهة وسطحية.
خلال شهر حزيران من العام الماضي، حذفت معلومات من الجزء الذي يتحدث عن “لجان الموت” التي تأسست في إيران عام 1988، وقد شملت تلك المعلومات مأساة السجناء السياسيين، وبينهم كثير من النساء والأطفال، ووجود كثير من الضحايا الذين سجنوا لفترات طويلة بسبب أنشطة سلمية مثل توزيع المنشورات. كما حذفت أيضاً إشارة لعمليات إعدام نفذتها شخصيات عديدة ذات مناصب رفيعة في الحكومة الإيرانية الحالية.
قبل شهر من الآن، حذف المستخدم المجهول نفسه إشارات ومراجع حول طرد دبلوماسيين إيرانيين اثنين من ألبانيا بسبب تورطهما في التخطيط لعملية تفجير ضد حركة مجاهدي خلق في عام 2018، وحول صدور حكم بحق مسؤول إيراني بالسجن المؤبد في السويد خلال العام المنصرم، وذلك بسبب الدور الذي لعبه في عملية إعدام السجناء السياسيين. وفي نيسان من عام 2022، جرى حذف مرجع يدل على إعدام 3500 سجيناً من حركة مجاهدي خلق في أوائل الثمانينيات بإيران.
يظهر تحليل التغييرات التي أدخلت على الصفحة وجود عدد من عمليات التعديل التي أعادت الأمور لنصابها وتمت على يد مستخدمين آخرين، على الرغم من بقاء أغلب عمليات الحذف السابقة على حالها حتى تاريخ نشر هذه المقالة.
اكتشف ماركو وهو محرر على ويكيبيديا قدم مساهمات على هذه المنصة طوال سنين عديدة، وجود عمليات تعديل، فأبلغ عنها المسؤولين لأنه خاف من فكرة التلاعب بالموقع لأغراض تخدم دعاية معينة، ثم أبلغ صحيفة التايمز عن ذلك عندما شعر بأن الإدارة لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات لمنع حدوث ذلك مجدداً.
تحدث ماركو أيضاً عن إضافة معلومات على عناصر ويكيبيديا من مصادر إخبارية تابعة للحكومة الإيرانية، لكنها تُقدم على أساس أنها محايدة، كما أوردت تلك المعلومات بأن المظاهرات التي عمت إيران قد جرى التلاعب بها.
وحول ذلك علقت الناطقة الرسمية باسم ويكيبيديا: “إن المعلومات المغلوطة والتضليل الإعلامي تعد من المشكلات التي تتعامل معها المؤسسة والمتطوعون فيها بصورة جدية، ولهذا وضعت ضوابط عديدة لمعالجة ذلك، كما يعمل المحررون المتطوعون والإداريون كخط الدفاع الساهر الأول ضد أي تلاعب بالمحتوى، إذ يقوم هؤلاء بمراجعة ما تجري إضافته من معلومات بشكل دوري، أما الروبوتات فتكتشف وتلغي كثيراً من الأنماط الشائعة للسلوك السلبي على الموقع، في حين يتحقق المدراء المتطوعون مرة أخرى من السلوك السلبي ويحاولون حل هذه المشكلة. وعندما ينتهك حساب لمستخدم أو عنوان IP سياسات الموقع بشكل متكرر، يمكن للمدراء في ويكيبيديا اتخاذ إجراء تأديبي مع حظر أو منع هذا المستخدم أو ذلك العنوان، وقد تشمل تلك الانتهاكات أموراً مثل التخريب المتكرر، أو الدخول باسم شخصيات مزورة يقوم أحد بإنشائها بهدف التعليق على أمر معين أو مناقشته، أو التعديل مقابل أجر من دون الإفصاح عن ذلك، أو القيام بعمليات تحرير وتعديل متكررة بهدف مواجهة الطرف الآخر والفوز عليه في قضية جدلية ما. وفي الوقت الذي يعالج فيه المتطوعون تلك المشكلات عموماً، تطبق المؤسسة دالة: (موثوق وآمن) عبر إضافة إشارة ترمز لتلك المشكلات تهدف إلى تعريف مجتمع المتطوعين عليها وتوجيههم لتعديلها عند ورود أي بلاغ عن ذلك، وفي بعض الحالات، تفتح المؤسسة تحقيقاً بمشكلات أكبر تتصل بالتضليل الإعلامي أو المحتوى المؤذي الذي يمكن أن يظهر على الموقع”.