القاهرة– تواصل أسعار الغذاء في مصر ارتفاعها منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في مارس/آذار العام الماضي، بينما انخفضت أسعار الغذاء عالميا إلى ما قبل الحرب، رغم إرجاع بعض المسؤولين المصريين التضخم لأسباب عالمية.
وأعلنت منظمة الأغذية والزراعة العالمية “فاو” انخفاض مؤشرها لأسعار الغذاء العالمية، خلال الشهر الماضي، إلى أدنى مستوى في عامين، لافتة إلى أن انخفاض معظم السلع الغذائية طغى على الزيادات في أسعار الأرز والسكر.
وأوضحت “الفاو” الجمعة، أن مؤشرها للأسعار، الذي يتتبع السلع الغذائية الأكثر تداولا في العالم، بلغ في المتوسط 121.4 نقطة في أغسطس/آب مقابل 124.0 نقطة معدلة في الشهر السابق.
انخفاض أسعار منتجات الألبان والزيوت النباتية واللحوم والحبوب على مؤشر “الفاو”، قابله ارتفاع كبير في مصر، وهو ما أثار تساؤلات حول عدم تأثرها بانخفاض الأسعار عالميا.
ويرجع خبراء أزمة ارتفاع أسعار الغذاء في مصر إلى تعرض الجنيه المصري لسلسلة انخفاضات متتالية أمام العملات الأجنبية وهبوط قيمته بأكثر من 50% رسميا و75% بأسعار السوق السوداء رغم محاولات البنك المركزي دعم العملة المحلية.
كان متوسط سعر صرف الجنيه المصري في مارس/آذار 2022 نحو 15.7 جنيها أمام الدولار الواحد، ليستقر حاليا عند 30.9 جنيها (السعر الرسمي) بعد خفضه 3 مرات.
كيف تأثر المواطن؟
وانعكس ارتفاع أسعار السلع على المواطنين بشكل كبير، حيث يقبع نحو 30% تحت خط الفقر بحسب آخر إحصاءات رسمية قبل عامين، ويصف كثيرون الأسعار بـ “التاريخية” وغير المسبوقة، والتي تمثل اختبارا قاسيا لقدراتهم على التعايش.
وقال مواطنون في تصريحات متفرقة لمراسل الجزيرة نت، إن القفزات في أسعار السلع الغذائية تصيبهم بالصدمة والذهول خاصة بعد أن سجلت أسعار بعض السلع زيادات قدرها 200% مثل اللحوم الحمراء والبيضاء، وطبق بيض المائدة الذي ارتفع من 45 جنيها عام 2022 إلى 145 جنيها، (نحو 5 دولارات).
من جانبهم، أرجع مسؤولون مصريون التضخم إلى ارتفاع الأسعار عالميا وتأثير الحرب الروسية على أوكرانيا في سلاسل الإمداد والأمن الغذائي وحركة التجارة العالمية.
وعزا محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، في تصريحات صحفية على هامش اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ارتفاع الأسعار إلى أن جزءا كبيرا من التضخم في مصر مستورد والكثير منه بسبب مشاكل الإمداد.
لكنه ربط ارتفاع الأسعار بمشاكل العرض، بما في ذلك التراكم الذي نتج عن بعض اللوائح السابقة، في إشارة إلى قرارات سلفه طارق عامر، في تقييد الاستيراد.
قفزة في أسعار الغذاء
وضمن قائمة الارتفاعات، قفزت أسعار اللحوم والدواجن 97% والخضروات 98.4% والمواد الغذائية بنسبة 71.9% في أغسطس/آب الماضي على أساس سنوي بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر.
وارتفع معدل التضخم السنوي إلى 39.7% خلال الشهر الماضي، مقابل 15.3% خلال نفس الشهر من العام الماضي، وهو مستوى قياسي فيما تعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة.
وتعتبر أسعار المستهلك المسجلة الشهر الماضي الأعلى منذ أكثر من 40 عاما على الأقل، بحسب أرشيف أسعار المستهلك المنشور على موقع الإحصاء المصري.
وحلت مصر في المركز السادس بعد سورينام بقارة أميركا الجنوبية ضمن أعلى عشر دول في العالم في ارتفاع معدلات التضخم وأسعار المواد والسلع الغذائية، بنسبة ارتفاع بلغت 66%، وفقا لبيانات البنك الدولي.
تضخم مستورد أم محلي؟
وعن إرجاع التضخم لأسباب خارجية، قال عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للمواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية أشرف حسني، إن “هناك عدة عوامل تؤثر في ارتفاع أسعار الغذاء في مصر، أولها سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ومدى توفر العملة الصعبة، والصعوبات التي تواجه الاستيراد، وتراجع المعروض من السلع”.
الأمر الآخر، بحسب تصريحات حسني للجزيرة نت، عدم وجود بدائل محلية لمواجهة النقص في البضائع المستوردة تتيح المنافسة وتتيح للمستهلك الاختيار من بين بدائل متعددة، إلى جانب ندرة مواد التصنيع لتوفير السلع وندرة السلع نفسها، وارتفاع التكلفة لدى التاجر والمنتج والمستورد.
ورأى أن تأثر أسعار السلع الغذائية بالأسعار العالمية ارتفاعا وانخفاضا مرهون باستقرار سعر صرف الجنيه وإتاحة الدولار وتوفر المواد الخام والقدرة على الاستيراد بشكل طبيعي دون معوقات.
كما استبعد عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للمواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية، أن يكون التجار السبب الرئيسي في موجة الغلاء المستمرة، وأشار إلى أن التكلفة أصبحت مرتفعة، ومعادلة الربح عند التجار هي تكلفة الفرصة البديلة مع عائد المخاطرة، “والتاجر لو وضع رأس ماله اليوم في البنوك أو قام بتحويله إلى أصول ثابتة سيكون ربحه أكثر من عملية التجارة”، مشيرا إلى أن رأس مال التاجر يتضاءل بسبب التضخم ودورته أصبحت أبطأ، على حد قوله.
تضخم مزدوج
أما أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة جمال صيام، فيعتقد أن “التضخم في مصر مزدوج -أي مستورد ومحلي-، والأزمات العالمية أثرت بالسلب على تكاليف النقل، وارتفاع سعر الدولار وتراجع قيمة الجنيه زاد سعر المواد الغذائية أو المواد المساعدة على الإنتاج محليا، تبقى المشكلة في أن أسعار السلع يتم احتسابها بسعر السوق الموازي وليس الرسمي وهو أعلى بنحو 30%”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح أنه إذا كانت أسعار المواد الغذائية تراجعت عالميا ولم تتراجع محليا فهذا يعني أن مصدر التضخم محلي بشكل أكبر، خاصة أن مصر دخلت في تضخم حلزوني حيث زادت تكلفة الإنتاج نتيجة زيادة مستلزمات الإنتاج وانخفاض قيمة الجنيه وتراجع المعروض في الأسواق.
وألمح خبير الاقتصاد الزراعي إلى تورط بعض التجار في التلاعب بالأسواق واحتكار بعض السلع ومواد الإنتاج، ودلل على حديثه بالقول إنه “على الرغم من أن مصر تحقق الاكتفاء الذاتي من محصول الأرز إلا أن سعر الكيلو قفز من مستوى 13 جنيها إلى 26 جنيها و 30 جنيها، وهذا يفوق السعر العالمي بكثير”.
وذهب صيام إلى القول بأن على مصر أن تعمل على تأمين سلة الغذاء الخاص بها من خلال زيادة حجم الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الإستراتيجية، “خاصة إذا علمنا أنها تستورد نحو 60% من احتياجاتها الغذائية وهذا يشكل ضغطا على موازنة الدولة ويجعلها عرضة لتقلبات الأسواق العالمية وتقلبات سعر صرف العملة المحلية”.