زلزال المغرب: ناجون يروون رحلة "العودة من الموت"... تلاشي الأمل بالعثور على أحياء
قال أحد الناجين في شهادته باكيا: “عندما رجعت إلى البيت المهدم، وجدت الأكبر سنا من أبنائي جامدا، بعدما أصيب بأحجار على الجزء الأعلى لجسده، فأدركت سريعا أنه رحل. أما الأصغر فلم نتمكن من إخراجه بعد ساعات”.
تتواصل عمليات البحث والإنقاذ في المغرب، للعثور على ناجين، وتقديم المساعدة لمن فقدوا منازلهم، رغم تلاشي الآمال، بعد أكثر من 72 ساعة على الزلزال المدمّر، الذي خلّف نحو 2900 قتيل.
وبلغ عدد ضحايا الزلزال 2901 قتيلا على الأقل، إضافة إلى 5530 جريحا، وفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الداخلية، الثلاثاء.
وزار الملك محمد السادس مصابين بالمستشفى الجامعي في مراكش، وتبرع بالدم تضامنا معهم.
وأكدت السلطات أنها “تواصل جهودها لإنقاذ وإجلاء الجرحى والتكفل بالمصابين من الضحايا”، فضلا عن “فتح الطرق التي تضررت جراء الزلزال”.
ويحاول عناصر الإنقاذ المغاربة، بدعم من فرق أجنبية ومتطوعين تسريع عمليات البحث وتوفير مأوى لمئات الأسر التي خسرت مساكنها.
وأفادت وكالة الأنباء المغربية بأن الملك محمد السادس، زار المركز الاستشفائي الجامعي بمراكش، “حيث تفقد الحالة الصحية للمصابين، ضحايا الزلزال الأليم”. وأضافت: “بهذه المناسبة تفضل صاحب الجلالة فتبرع بالدم”، تضامنا مع الضحايا. كما أعلنت أن مستشفى عسكريا ميدانيا، أقيم في دائرة تفنغولت بإقليم تارودانت جنوب مراكش، ثاني أكثر إقليم تضررا بعد الحوز.
نواجه احتمال “خطر الموت جوعا”
ويستعجل الناجون في القرى الجبلية النائية، تأمين ملاجئ لهم بعدما فقدوا بيوتهم. وكان القلق باديا على وجوه بعضهم، الذين تدبروا ملاجئ بوسائلهم المتواضعة، في قرية دوزرو المدمرة على بعد نحو 80 كيلومترًا جنوب مراكش، وسط البلاد.
ويقول ابن القرية إسماعيل أوبلا (36 عاما): “نحتاج لأن يتم التكفل بنا، لا يمكننا البقاء طويلا في العراء، الظروف المناخية جد قاسية، ونخشى الأسوأ مع اقتراب الشتاء”، بحسب ما نقلت عنه وكالة “فرانس برس” للأنباء.
وفقد إسماعيل ثلاثة من أطفاله لا يتجاوز عمرهم 8 أعوام، وزوجته الحامل ووالدته.
ويؤكد حسين بنحمو (61 عاما) وهو ناج آخر من سكانها، فقد تسعة من أفراد عائلته: “نريد أن تعالج الأمور في أسرع وقت، لقد فقدنا كل شيء حتى الماشية… والأموات أخرجناهم بأيدينا”.
من جانبه، يبدي لحسن أوحمان (68 عامًا) قلقًا أيضا من احتمال سقوط الأمطار، “التي يمكن أن تقطع الطريق غير المعبَّد، ونواجه بالتالي خطر الموت جوعا”.
وتقع هذه القرية الجبلية في إقليم الحوز حيث مركز الزلزال، وهو ممتد بمعظمه على جبال الأطلس الكبير، حيث فاقمت الانهيارات الأرضية صعوبة الوصول إلى القرى المنكوبة.
“فقدنا كل شيء”
وسقط في إقليم الحوز أكثر من نصف القتلى، بواقع 1643. بينما لم تسجَّل الثلاثاء، وفيات جديدة في باقي للمناطق التي ضربها الزلزال، وفق ما أوضحت وزارة الداخلية، التي أكدت دفن معظم القتلى.
وفي بلدة أمزميز تجمع عشرات الناجين، الثلاثاء، حول شاحنة لاستلام مساعدات غذائية جاء بها متطوعون.
وقال المتطوع عبد الإله تيبا (28 عاما) إن “الحكومة لا تفعل شيئا لذلك تحركنا، الناس هم الذين يساعدون وليس الحكومة”.
وتساءلت فاطمة (39 عاما) “فقدنا كل شيء… ماذا سنفعل عندما يتوقف الناس عن مساعدتنا؟”، وقد تلقت معلبات وبسكويت.
وقامت مروحيات برحلات ذهابًا وإيابًا لتوصيل الطعام إلى الناجين من الزلزال في بعض القرى الصغيرة النائية.
وفي جنيف وجه الصليب الأحمر الدولي، الثلاثاء، نداء لجمع أكثر من 100 مليون دولار لتوفير الاحتياجات العاجلة للمغرب. ويأمل أن يمكنه ذلك من “تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا في هذا الوقت، والتي تشمل الصحة والمياه والصرف الصحي والنظافة ومواد الإغاثة في مجال المأوى والاحتياجات الأساسية”، وفق ما أوضحت كارولين هولت مديرة قسم الكوارث والمناخ والأزمات في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
فيما أفادت منظمة “يونيسف”، الثلاثاء، بأن “حوالي 100 ألف طفل قد تأثروا بالزلزال”، موضحة أنها “حشدت بالفعل موظفي المساعدة الإنسانية لدعم الاستجابة الفورية على الأرض”.
وما يزال الوصول إلى القرى الأقرب إلى مركز الزلزال صعبًا بسبب الانهيارات الأرضية.
وأنشأ الجيش المغربي مستشفيات ميدانية لعلاج الجرحى في المناطق البعيدة، على غرار قرية أسني في إقليم الحوز المنكوب.
رحلة “العودة من الموت”
واستطاع عبد الله النجاة من الزلزال الذي ضرب قرية تلات نيعقوب في منطقة الحوز الجبلية، لكن “دموعه لا تجف”، بعدما ابتلعت الأنقاض اثنين من أطفاله.
يتذكر الرجل البالغ من العمر 39 عاما، تلك الليلة المشؤومة، قائلا: “كنت أظن أنني سأنام في هدوء، قبل أن ينهار علينا سقف البيت”.
ويضيف: “خرج ابني البكر (14 عاما) أولا وإن كنت لا أعرف بعد كيف تمكن من ذلك. بفضل مساعدة الجيران نجحنا في إيجاد مسلك للخروج، ثم تمكنت من انتشال ابنتي البالغة من العمر 10 أعوام، فزوجتي”، بحسب ما نقلت عنه “فرانس برس”.
لكن الأوان كان قد فات لإنقاذ ابنيه الآخرين، البالغين من العمر 4 و12 عاما، كما يتذكر الرجل الذي فقد أيضا ساقا اصطناعية كان يستعين بها بعد حادث سابق.
ويتابع وقد انفجر باكيا: “عندما رجعت إلى البيت المهدم، وجدت الأكبر سنا منهما جامدا، بعدما أصيب بأحجار على الجزء الأعلى لجسده، فأدركت سريعا أنه رحل. أما الأصغر فكان ما زال يتكلم لكن لم تكن لدي أي وسيلة للوصول إليه. لم نخرجه سوى أمس”.
ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد، فقد أودت الفاجعة أيضا بحياة والديه.
ويقول الرجل المكلوم: “لا تجف دموعي، أود أن أتوقف عن البكاء لكن الألم أقوى”، فيما كانت زوجته تبكي بصمت.
“لن تعود الحياة أبدا كما كانت”
وعند مدخل قرية تلات نيعقوب، تفترش أسرة أيت بيهي بساطًا تحت شجرة زيتون تقتسمها مع عائلة لطيفة آيت بيزلي، بعدما دمر الزلزال بيتيهما.
تقول لطيفة البالغة من العمر 30 عاما: “نجحت في إنقاذ أبنائي الثلاثة وأصغرهم في الثالثة ووالدي زوجي المسنين بعدما انهار سقف البيت”.
وتقول: “لحسن الحظ أننا كنا في الطابق العلوي، أخذت أبنائي أولا ونجحت في الخروج من أحد الشقوق”.
وتضيف: “عدت بينما كانت الأرض ما زالت تهتز لأخرج والدَي زوجي”، وفق الوكالة.
وبمجرد أن خرج الجميع وقفت تشاهد “هول” الأضرار، فكل البيوت هدمت بما فيها بيت شقيقتها التي قالت إنها “توفيت مع زوجها وطفليهما دون أن أستطيع فعل أي شيء. يعتصرني الألم. ما زلت غير قادرة على استيعاب أنهم رحلوا”.
لحسن حظها أن زوجها، الذي كان في قرية مجاورة لحظة الزلزال، نجا هو الآخر.
وتستطرد: “لن تعود الحياة أبدا كما كانت قبل”، شاكية الظروف الصعبة، قبل أن تضيف: “لكن بفضل المحسنين نستطيع البقاء على قيد الحياة”.
ونُظمت حملة تضامن واسعة بعد الزلزال، يجول خلالها العديد من المتطوعين بوسائلهم الخاصة القرى النائية لتوزيع مواد غذائية وأدوية وأغطية وأسرة.
أما رشيدة آيت مالك التي تقطن هي الأخرى قرية تلات نيعقوب المنكوبة، فظنت لحظة الكارثة أنها النهاية، قبل أن يتمكن الجيران من إنقاذها.
وتتذكر قائلة: “كنت مع طفلي ووالدتي وشقيقتَي وإحداهما حامل، بينما كان ابن أختي في الطابق السفلي. ثلاثة من جيراننا سارعوا لإخراجنا من بين الأنقاض”.
وكانت الشابة العشرينية تتحدث مستلقية تحت ظل شجرة، محاطة بطفليها.
وكانت آخر من تم إخراجها بعد أكثر من ست ساعات على الزلزال. وبينما نقلت شقيقتاها إلى المستشفى، سلمت رشيدة وطفلاها والوالدة من الأذى.
لكن الضرر النفسي بالغ فهي ما زالت غير قادرة على أن تستوعب ما حصل “ما أزال تحت وقع الصدمة، لا أستطيع وصف الألم الذي يسكنني منذ هذه المأساة، لقد رجعنا من بين الأموات”.
وما يؤلمها هو عدم العثور بعد على ابن شقيقتها، رغم الجهود الحثيثة في هذه القرية الفقيرة، القريبة من بؤرة الزلزال، لإخراج الجثث من بين الركام.
والزلزال الذي وقع ليل الجمعة السبت، بقوة 7 درجات بحسب المركز المغربي للبحث العلمي والتقني (6,8 وفق هيئة المسح الجيولوجي الأميركية)، هو أقوى هزّة يتمّ قياسها في المغرب على الإطلاق.
والمغرب غير معتاد عمومًا على الزلازل المدمرة. واعتبر هذا الزلزال الأعنف، “استثنائيا”، نظرًا إلى بؤرته الواقعة في قلب جبال الأطلس الكبير، وبخاصة أن الرقعة الجغرافية المنكوبة شاسعة.