شيشاوة- رجع عدد من مواطني مدينة شيشاوة إلى منازلهم بعدما أتعبتهم ليلتان في العراء بعد أكثر من 24 ساعة من وقوع زلزال إقليم الحوز (جنوب غربي مراكش) الكارثي، لكن فجأة عاد هلع الليلة الأولى صباح أمس الأحد.
السكان يتركون منازلهم مجددا ويهرعون نحو حديقة وسط المدينة الصغيرة، وصراخات إنذارية من هنا وهناك تحذر الناس من البقاء داخل الأبنية أو بالقرب منها.
وتحدّث مرصد الزلازل الأورومتوسطي، بعد لحظات من الهلع، عن هزة أرضية بقوة 4.5 درجات على سلم ريختر، مشيرا إلى أنها حدثت على بعد 80 كيلومترا جنوب غرب مراكش، في حين لفت المعهد المغربي للجيوفيزياء إلى أن “الهزات الارتدادية متواصلة، لكن هذه أقواها ومنفصلة عن سابقاتها”.
“كنا ننتظر وجبة الإفطار في لمة عائلية، فإذا بالأواني تتساقط على والدتي، هرعت من المطبخ، وأخذت الأرض تتحرك”، بهذه العبارة وصف محمد لحظة وقوع الهزة الارتدادية القوية، وأضاف للجزيرة نت “كانت لحظة مروعة، ركضنا جميعنا إلى الشارع من جديد”.
ملجأ بسيط
الهلع نفسه عاشته أسرة يوسف أيضا التي لم تخرج من المنزل في تلك اللحظة، قبل جمع حاجيات تمكن من إنشاء ملجأ بسيط يقيها الحر ويلم أفرادها، كما فعلت العديد من العائلات التي فرت إلى الحديقة بعد الهزة الجديدة، أما إبراهيم فقال للجزيرة نت في تلك اللحظة كان يحمل المفتاح، وعلى وشك فتح باب المسكن، قبل أن يقفل عائدا من روع الهزة، ويبعد أهله عن المكان.
رشيدة مواطنة من مدينة أغادير (جنوب البلاد)، تحكي للجزيرة نت “عدنا إلى البيت الساعة الخامسة صباحا، لكن ما حدث بعد ساعات قليلة كان مرعبا”، وتسترسل بنبرة تبدي خوفا “لا يمكن أن أسلم أطفالي إلى التهلكة، لن نعود اليوم قبل أن تردنا تطمينات رسمية تؤكد نهاية هذا الكابوس”.
تعود بنا رشيدة إلى الساعات الأولى للزلزال في شيشاوة، الوقت الذي كان يحتشد فيه العشرات من السكان أثناء حفل موسيقي بمهرجان يُنظم سنويا في المدينة، وتقول “جئت مسافرة من أكادير إلى شيشاوة لزيارة عائلتي وحضور المهرجان، لم أتوقع المكوث هنا طويلا”، فجأة تحول المكان من ساحة مرح إلى ملجأ كئيب يقصده المواطنون هربا من زلزال مدمر.
تجمعات عائلية
ظهيرة يوم الأحد، رصد مراسل الجزيرة نت في المكان نفسه عددا من الخيام، والتجمعات العائلية الصغيرة المتسترة خلف أغطية وبطانيات تحجبها عن الأنظار، أوقد معظمها نار الطبخ لتحضير وجبة الغداء، في مشهد تراجيدي تتخلله ضحكات أطفال لم يستسلموا لهول الفاجعة.
في إحدى زوايا هذه الحديقة التم مجموعة من الشباب حول طاجين مغربي (وجبة شعبية)، تقدم من بينهم شاب عشريني يدعى هشاما، وروى هو الآخر للجزيرة نت شيئا مما مرت به مدينته في بداية الزلزال، “كان الجميع مبتهجا وفي ثوان قليلة انتشر الهلع وبدأ الجميع بالركض في اتجاهات مختلفة، قبل العودة في لحظات للاحتشاد في نفس المكان”، ويسترسل قائلا “كانت ليلة مروعة وللأسف تكررت أيضا بعد عودتنا إلى المنازل”.
قرى معزولة
على بعد حوالي 43 كيلومترا من المدينة، تقع دائرة إمنتانوت التابعة لإقليم شيشاوة على سفوح جبال الأطلس، هناك صادفْنا عددا من السكان يتطوعون للانطلاق باتجاه دواوير بين تضاريس جبلية صعبة، من أجل إيصال المساعدات التي يجمعها أهالي المنطقة.
يقول ياسين أحد الشباب المتطوعين لنقل المؤونة والمواد الأساسية إلى قرية حدو يوسف “إن هناك عددا من القرى بين الجبال أصبح أهاليها مشردين جراء سقوط منازلهم، ونحن نتحرك صوبهم الآن من منطلق التضامن الأخوي بين أفراد شعبنا”.
وبجانب أحد أرصفة مركز المدينة أوقف حسين سيارته ليشحنها رفقة زملائه في مهنة التعليم، قبل الانطلاق إلى قرية أخرى بالتنسيق مع بعثات من أماكن مختلفة في إمنتانوت، وسيقضي هؤلاء المتطوعون الليلة الثالثة بعد الزلزال في تلك القرى الجبلية نظرا لخطورة التضاريس ليلا.
“تألمت كثيرا بالأمس وأنا أسابق الزمن من أجل فتح طريق القرى أمام سيارات الإسعاف، أرى أمامي أكواما من الحجارة وذهني مع العالقين خلفها”، هكذا يروي عبد الرحمن للجزيرة نت قصة إزالة العوائق التي تسبب بها الزلزال، وهو سائق جرافة انطلقت من إمنتانوت منذ الساعة 8:30 صباحا على الطريق المتجهة صوب الدواوير المجاورة من أجل فتحها بعدما شلت الحركة إثر الانهيارات الصخرية.
ويلفت في حديث مع الجزيرة نت إلى أن عمله لم ينته حتى الساعة 4:30 من مساء نفس اليوم، لتنطلق عندها سيارات الإسعاف والمساعدات صوب حوالي 10 قرى تنتظر النجدة، مشددا على وجود أضرار متفاوتة الخطورة سواء على مستوى القرى التي سقط فيها عدد من المنازل، أو الطريق التي عرفت تشققات بالجبال إضافة إلى الإصابات بين السكان.
وأشار عبد الرحمن إلى أن الطريق كانت سيئة قبل الفاجعة التي زادتها سوء، حيث بعد حوالي 11 كيلومترا قبل الوصول إلى القرى تصبح الطريق الجبلية أكثر خطورة.
وفي الوقت نفسه تحدثت مصادر للجزيرة نت من بعض الدواوير في ضواحي دائرة إمنتانوت عن استمرار عزلتها لليوم الثاني على التوالي بسبب طرق مازالت مسدودة جراء تساقط الحجارة، لافتة إلى تفاقم معاناة أهاليها كلما تأخر وصول آليات الإنقاذ والمساعدات الإنسانية.
يذكر أن وزارة الداخلية المغربية أعلنت مساء الأحد ارتفاع عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب البلاد إلى 2122 وفاة -201 منها في إقليم شيشاوة- و2421 إصابة.
وتتواصل عمليات الإنقاذ في المناطق التي ضربها الزلزال ولا سيما المناطق الجبلية والنائية، وتصعّب طبيعة المناطق المتضررة عمل فرق الإنقاذ بسبب الوعورة وبعد المسافات وصعوبة إيصال المعدات اللازمة.