الأربعاء الماضي، أعلن الجيش الأردني إسقاط مسيرة قادمة من سورية، هي السابعة خلال العام الجاري، تختلف عن سابقاتها في نوعية الحمولة.
بات الأردن يواجه تحديا كبيرا مع استمرار محاولات طائرات مسيرة قادمة من سورية لاجتياز حدود البلاد بطريقة غير مشروعة، حيث يرى خبراء عسكريون أن عمان تقف على عتبة خيارات دفاعية استثنائية “محتملة” لمواجهة تلك المساعي التي تمس بالأمن.
ويقول الخبراء، في أحاديث منفصلة للأناضول، إن الوضع الراهن يفرض على المملكة تعزيز إجراءاتها الأمنية على الحدود مع جارتها الشمالية سورية خاصة في ظل تغيّر حمولة الطائرات المتسللة، من المواد المخدرة إلى الأسلحة والمواد المتفجّرة.
والأربعاء الماضي، أعلن الجيش الأردني إسقاط مسيرة قادمة من سورية، هي السابعة خلال العام الجاري، وفق رصد الأناضول، تختلف عن سابقاتها في نوعية الحمولة.
وقال الجيش في بيان نشره آنذاك: “الطائرة كانت تحمل مواد متفجرة من نوع TNT”.
ويعتقد الخبراء أن تغيّر حمولة الطائرات يشير إلى أن “الجهات التي تقف وراء إطلاقها، تجاوزت مسألة التهريب إلى مسألة التعدي على أمن المملكة”.
ورجحوا أن الجيش الأردني “الذي حافظ على أمن بلاده طوال سنوات الأزمة في سورية، وتمكن من ضبط الحدود لن يسمح بأي محاولات من شأنها خلق تهديدات للمملكة، وبالتالي سيكون التعامل مع أي تهديد ووفق سيناريوهات حازمة”.
وعلى مدى الشهرين الماضيين، تكررت محاولات التهريب من سورية باستخدام الطائرات المسيرة٬ وتنوعت حمولتها بين المواد المخدرة والأسلحة.
وخلال السنوات الماضية، شهد الأردن مئات من محاولات التسلل والتهريب، خاصة من سورية (شمال) والعراق (شرق) نتيجة تردي الأوضاع الأمنية في البلدين الجارين.
وشهدت المملكة في تموز/ يوليو الماضي، اجتماعا أمنيا بين مسؤولين أردنيين وآخرين من النظام السوري، لمواجهة التهريب عبر الحدود بين البلدين.
تحد كبير
المحلل العسكري اللواء المتقاعد، مأمون أبو نوار، اعتبر أن الطائرات المسيرة “تمثّل تحديا كبيرا للأردن حيث سيبقى على المدى الطويل متعرضا لهذا التهديد”.
وأضاف: “إحباط الجيش الأردني لمرور الطائرات المسيرة خاصة من نوع كواد كابتر، يؤكد بأن لديه كفاءة عالية على الحدود تجاه هذا النوع من العمليات”.
وتابع: “هذه الطائرات تخترق الحدود دون كشفها، وأتوقع أن من يقوم بتلك العمليات هي الجماعات والمليشيات المسلحة”.
ولم يستبعد المحلل العسكري أن “تكون هذه المحاولات مدعومة من النظام السوري بهدف الضغط السياسي على الأردن”، على حد قوله، لافتا إلى أن المملكة “لا تشير إلى دور النظام بشكل مباشر في تلك العمليات”.
ولفت إلى حاجة الأردن لـ”جهد ودعم دولي كبير لمواجهة هذه التحديات”، مشرا إلى أن هذا النوع من الطائرات لا يمكن رصدها ليلا وإسقاطها إذ يتم ذلك خلال فترة النهار كونها ترى بالعين المجردة وبالاستعانة ببعض الأجهزة الإلكترونية فيما تعجز أجهزة الرادارات عن تعقبها لأن بصمتها صغيرة جدا، بحسب قوله.
تعزيز الجانب الاستخباري
من جانبه، يقول اللواء المتقاعد سليمان منيزل، إن “الجيش الأردني يتحمل مسؤولية كبيرة جدا على حدودنا الشمالية”.
وأضاف منيزل: “هذا الأمر موجود خاصة في ظل حالة الانفلات الأمني التي تشهدها سورية حيث لا يسيطر النظام بشكل كامل، والساحة مفتوحة وتعمل عليها عدة قوى إقليمية ودولية”.
وأردف: “لا يوجد ما يمنع الأردن من استخدام كافة الوسائل الدفاعية التي تحافظ على أمن المملكة، فقد شهدنا سابقا تغييرا واضحا في قواعد الاشتباك تجاه عمليات التسلل والتهريب البرية”.
وتوقع أن “يعتمد الأردن خلال المرحلة المقبلة على تعزيز الجانب الاستخباري لتحديد مصادر إطلاق هذه الطائرات”، كونها تعدّ “تحديا جديدا للأردن من غير المستبعد استهدافها”، وفق قوله.
ودعا منيزل إلى ضرورة التعاون مع “الجهات الفاعلة على الأراضي السورية (لم يحددها) والتي تهتم بأمن الأردن واستقراره”.
وأشار إلى أن “تحديد مصدر إطلاق هذه الطائرات من شأنه أن يسهل على الأردن مهمة التعامل معها سواء عبر الطرق العسكرية أو الدبلوماسية”، معتبرا أن “خير وسلة للدفاع هي الهجوم”.
منطقة عازلة
بدوره، يقول المحلل العسكري والإستراتيجي هشام خريسات، إن الأردن يملك الحق والقدرة “على فرض منطقة عازلة للمناطق التي تعد مصدرا لتهديد حدوده”.
وأضاف خريسات، وهو عميد متقاعد من الجيش الأردني: “فرض المنطقة العازلة هو ما يخشاه النظام السوري، والمؤكد أن توقف تهريب المخدرات يعني عدم قدرة النظام على الصمود لأن اقتصاده يعتمد على ذلك”.
وفي آذار/ مارس الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية شخصيات مقربة من عائلة رئيس النظام السوري بشار الأسد في قائمة العقوبات، على خلفية دورهم في إنتاج وتهريب مخدر “الكبتاغون”.
وفي الشهر ذاته، قالت السفارة البريطانية لدى لبنان، في بيان أصدرته تعقيبا على قرار “الخزانة الأميركية”، إن النظام السوري “يستفيد من تجارة مخدر الكبتاغون بـ57 مليار دولار سنويا”.
وأضافت أن “الكبتاغون مادة مخدّرة تسبب الإدمان الشديد يستخدمها المتعاطون في أنحاء الشرق الأوسط، ونسبة 80% من إمدادات العالم من هذه المادة تُنتج في سورية”.
وأشارت السفارة إلى أن النظام السوري “له دور وثيق في هذه التجارة، حيث تغادر شحنات قيمتها مليارات الدولارات من معاقل النظام، مثل ميناء اللاذقية”، لافتة إلى أن “ماهر، شقيق الرئيس الأسد، يقود وحدة الجيش السوري التي تُيسّر توزيع وإنتاج هذه المادة المخدرة”.
أجهزة رصد متخصصة
من جانب آخر، قال خريسات إن الأردن “يمتلك أجهزة محلية الصنع (من مركز الملك عبد الله للتطوير)، متخصصة للسيطرة على المسيرات”.
وأضاف: “هذه الأجهزة تستطيع السيطرة على هذه الطائرات وإنزالها دون تدميرها؛ وذلك لأن التعامل معها يحتاج إلى حرفية وحذر في نفس الوقت”.
وأرجع ذلك إلى عدم “معرفة ما تحمله الطائرات المسيرة على متنها، فمن الممكن أن يكون سلاحا كيماويا وليس متفجرات؛ وهنا تكمن الخطورة”، كما قال.
ويعتقد أن مصدر هذه الطائرات هو “الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني بالاشتراك مع الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد”.
ويرجّح بأن الغرض من اقتصار حمولة تلك الطائرات “على 2 أو 3 كيلوغرامات مما تحمله يعود لسببين”، الأول يتمثل في “جس نبض قوة أمن الحدود الأردنية، وبالتالي إن وجدوا نقاط ضعف فإنهم يقومون بزيادة الشحنات بكميات أكبر”، وفق قوله.
أما السبب الثاني وفق خريسات، فقد يكون للتمويه، حيث “يتم إرسال هذه الطائرات بما يتيح رصدها من حرس الحدود، لكن في ذات الوقت يكون هناك شحنات بنفس الطريقة من جهات أخرى”.
ويعتبر أن “استخدام المسيرات على الحدود الأردنية دليل على إفلاس من يقفون وراءها، مقابل ما يجدونه من مقاومة احترافية من الجيش الأردني لأشكال التسلل والتهريب الأخرى”.
وبيّن أن “الأجهزة المتوفرة في الأردن ترصد هذه المسيرات من مسافة تراوح بين 40 – 80 كيلومترا، ولكنها تحكم السيطرة عليها من عمليات التشويش على بعد 80 كيلومترا وإفقادها الاتصال مع الوحدة الأم التي أرسلتها”.
ورجح خريسات، في السياق ذاته، أن تكون وحدات التحكم في هذه المسيرات على بعد 30 كيلومترا من الحدود الأردنية.