بعد 4 شهور بلا حسم عسكري أو حل سياسي.. هل تستطيع القوى السودانية قطع الطريق أمام "طبخة" دولية؟
الخرطوم – بعد مرور 4 أشهر على اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتوقف المفاوضات بين الطرفين عبر منبر جدة الذي ترعاه الولايات المتحدة والسعودية، نشطت تحركات دولية وإقليمية صامتة لإيجاد مقاربة لإيقاف الحرب.
يرافق ذلك جهود داخلية من قوى اجتماعية وسياسية -تساند الجيش- تخطط لتشكيل تحالف لإنهاء “التمرد” وتأليف حكومة مدنية، في وقت تسعى فيه قوى أخرى -تقول إنها على الحياد- إلى توسيع تحالفها إلى تكتل مدني مناهض للحرب.
وتدخل الحرب في السودان التي اندلعت يوم 15 أبريل/نيسان الماضي، شهرها الخامس من دون تغيير كبير في الخريطة العسكرية بالعاصمة الخرطوم، وسط تعذر الحسم العسكري على طرفي القتال، حسب مراقبين.
مفاوضات متعثرة ومبادرات غير مكتملة
وعُلقت المفاوضات غير المباشرة بين الجيش والدعم السريع عبر منبر جدة منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، إثر تمسك الجيش بالتزام الدعم السريع بإعلان المبادئ الموقع بينهما في مايو/أيار السابق، والذي ينص على خروج المسلحين من منازل المواطنين والأعيان المدنية والخدمية، مثل المستشفيات ومؤسسات المياه والكهرباء والنفط.
وتعثرت مساعي الاتحاد الأفريقي بعد إقراره خريطة طريق مع مجموعات أوروبية بسبب تحفظ الحكومة السودانية على عدم مشاورته وتعليق عضوية السودان في المنظمة الأفريقية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021.
كما رفضت الحكومة التعاطي مع مبادرة الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيغاد)، بسبب رئاسة كينيا اللجنة الرباعية المكلفة بحل الأزمة السودانية، ورفضت أيضا مقترحها بنشر قوات لحماية المدنيين وخروج قوات طرفي القتال من الخرطوم.
في حين رحبت الخرطوم بمبادرة دور جوار السودان بقيادة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوقف إطلاق النار وإجراء حوار شامل، لكن لم تتبلور مقترحات محددة بعد عقد وزراء خارجية الدول المعنية اجتماعا في العاصمة التشادية مؤخرا.
ورأى مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة أن أغلب تلك المبادرات لا تحقق مصلحة السودان وتحمل أجندة ومصالح أصحابها، وبعضها يسعى إلى الإبقاء على الدعم السريع في السلطة والاحتفاظ بقواته العسكرية.
مشروع جديد
وكشفت معلومات موثوقة أن الأسابيع الماضية شهدت تحركات صامتة بين واشنطن وعواصم أوروبية وعربية وأفريقية، للتشاور من أجل بلورة مشروع جديد.
وقالت مصادر سياسية للجزيرة نت إن إطار المشروع الجديد ستتم صياغته من قبل خبراء أجانب في العلوم السياسية والدستورية وفض النزاعات، وذلك تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.
وحسب المصادر ذاتها، فإن الجهات التي تقف خلف المشروع ستدعو عشرات من الرموز والقيادات السودانية، التي تقود مؤسسات مجتمع مدني ومنظمات مدنية، وتمارس غالبيتها نشاطها من خارج السودان.
وأوضحت أن من أبرز المدعوين للتشاور رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، ووزير شؤون مجلس الوزراء السابق عمر مانيس، وسفير السودان السابق في واشنطن نور الدين ساتي، والقيادي السابق في الحزب الشيوعي الشفيع خضر، بالإضافة إلى الباقر عفيف ومحمد سليمان وعمر النجيب وآخرين.
وأضافت المصادر السياسية أن المرحلة الأخيرة من المشروع تتمثل في دعوة ما بين 150 و200 من القيادات والرموز السياسية، التي تمثل الطيف الفكري والسياسي والاجتماعي في السودان بصفتهم الشخصية، على أن يكون الموعد مطلع الأسبوع الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل في أديس أبابا، بهدف إقرار المشروع الذي يرسم ملامح مرحلة ما بعد الحرب وتشكيل حكومة مدنية تقود البلاد لحين إجراء انتخابات عامة.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن ما يقلق جهات أوروبية لديها ارتباط بقوى سياسية سودانية تعتقد أنها تعبّر عن الثورة السودانية، هو خلافات تلك القوى مع المجموعات المدنية الداعمة للتحول الديمقراطي والحكم المدني، مما دفعها إلى الشروع في ترتيب لقاء لتلك الجهات في العاصمة الإثيوبية قريبا، لتوحيد مواقف القوى السياسية والمدنية وتجاوز الخلافات التي تهدد بتصدعها.
جبهة وطنية
وفي خطوة يبدو أنها تسعى إلى “سودنة” حل الأزمة، وجّه المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في شرقي السودان بقيادة سيد محمد محمد الأمين ترك، وهو نائب رئيس تحالف قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، دعوة باسم قوى المجتمع الأهلي إلى ملتقى لتوحيد الصف الوطني، تشارك فيه القوى السياسية والمجتمعية والجماعات الدينية وحركات الكفاح المسلح، وسينتهي الملتقى بتشكيل تحالف “الجبهة الوطنية”.
وبحسب نص الدعوة -التي اطلعت الجزيرة نت على نسخة منها- يهدف اللقاء إلى “التداعي الوطني لوضع نهاية للتمرد ووقف الحرب والتوافق على خريطة طريق العودة للمسار السياسي، وعلى أسس تشكيل حكومة مدنية لإدارة الاقتصاد وإعادة الإعمار بعد الحرب وإجراء انتخابات عامة، دون هيمنة أو إقصاء”.
ونصّت بطاقة الدعوة على أن الملتقى ينعقد تحت شعار “وحدة الصف السوداني- استقلال القرار الوطني” بمدينة أركويت بولاية البحر الأحمر في شرقي السودان في مطلع سبتمبر/أيلول المقبل.
وقال أحد منظمي الملتقى الوطني إن القوى الوطنية لا ينبغي أن تقف متفرجة على السودان وهو ينزف وتحيط به المخاطر، وتحاول قوى خارجية فرض “طبخة” جاهزة على السودانيين، كأنهم عاجزون عن حل مشكلاتهم.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد المتحدث أنهم يساندون الجيش للحفاظ على كيان الدولة من التفكك، لافتا إلى عدم الاستثناء في الدعوة إلى الملتقى، وأنها تشمل الجميع حتى القوى القريبة في مواقفها من قوات الدعم السريع.
جبهة مناهضة للحرب
وفي المقابل، عقدت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري في ديسمبر/كانون الأول الماضي اجتماعا في أديس أبابا أمس الاثنين. وقال عضو مجلس السيادة ورئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس، خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع، إنهم سيعدون رؤية لإنهاء الحرب وكيفية بناء أوسع جبهة مدنية مناهضة للحرب، وإقرار حل سياسي يؤسس لإعادة بناء البلاد.
وستعقد تلك القوى لقاءً في وقت لاحق مع حركات الكفاح المسلح وقوى مجتمع مدني مختلفة معها لبناء تحالف سياسي أكبر.
وقالت مصادر في المعارضة للجزيرة نت إن قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي تخطط لتوسيع تحالفها عبر كسب قوى أخرى إلى تحالفها بعد وصمها بالإقصاء، وعدم ربطها بقوات الدعم السريع، حتى لا تتحمل أعباء سياسية وأخلاقية بسبب ممارسات تلك القوات والانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها في الخرطوم ودارفور.
موقف البرهان
من جهته، اتهم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالغدر والخيانة، وقال خلال كلمة بمناسبة مرور 68 عاما على تأسيس الجيش، إن الحرب فُرضت على الحكومة والجيش.
وأضاف البرهان أن القوات المسلحة تقف مع خيارات الشعب السوداني وحقه المشروع في دولة القانون والديمقراطية والمؤسسات، وقال “سنحتفل قريبا بالقضاء على هذا التمرد الغاشم”.
وأكد البرهان أن القوات المسلحة السودانية تعمل من أجل “الوصول إلى صيغة سياسية مُحكمة وعادلة ومقبولة تصل بالبلاد إلى محطة الانتخابات”.
وعن موقف البرهان، يرى الباحث السياسي خالد السماني أن حديث قائد الجيش يدعو للاعتقاد أنه يعول على الحسم العسكري في إشارته إلى اقتراب الاحتفال بالقضاء على “التمرد”، وتجنب الحديث عن استئناف المفاوضات مع الدعم السريع.
ويعتقد الباحث السياسي، في حديث للجزيرة نت، أن البرهان يتمسك بدور فاعل للجيش في تشكيل المشهد السياسي، وأن تكون الحكومة المقبلة تحت ظل المؤسسة العسكرية بعدما قدمته من تضحيات وانتصارها على ما يعتبره تمرداً عليها، مما يتطلب من القوى السياسية تجاوز خلافاتها والتوافق على رؤية مشتركة بشأن العملية السياسية، حتى لا تجد نفسها أمام واقع جديد يفرض عليها التعامل معه.