أفادت دراسات عديدة بأنّه يمكن للنموذج ثلاثيّ الأبعاد الشامل أن يحدث ثورة في إدارة الكوارث، كما يمكن محاكاة الكوارث الطبيعيّة، مثل الزلازل والفيضانات، للتنبّؤ بالأضرار المحتملة وصياغة خطط إخلاء فعّالة عند اللزوم
أدّى التقدّم السريع للتكنولوجيا في السنوات الأخيرة إلى ظهور حلول مبتكرة كانت في يوم من الأيّام مقتصرة على عوالم الخيال العلميّ، وأحد هذه المفاهيم هو تحويل العالم الحقيقيّ إلى نموذج ثلاثيّ الأبعاد شامل، وتشكيل تمثيل رقميّ للبيئة المادّيّة.
وبحسب خبراء، يوفّر إنشاء نموذج ثلاثيّ الأبعاد للعالم العديد من الفرص لمختلف المجالات، بما في ذلك التخطيط الحضريّ والعمارة والاقتصاد والمراقبة البيئيّة وحتّى الترفيه، وواحدة من أهمّ المزايا هي القدرة على اكتساب فهم شامل للبيئة المحيطة، حيث يمكن للمخطّطين والمهندسين المعماريّين الحضريّين محاكاة وتحليل سيناريوهات التصميم المختلفة لإنشاء مدن أكثر استدامة وكفاءة، ومن خلال تمثيل التضاريس والمباني والبنية التحتيّة بدقّة، يمكن لصانعي القرار تصوّر تأثير اختياراتهم وتحسين تخصيص الموارد.
وأفادت دراسات عديدة بأنّه يمكن للنموذج ثلاثيّ الأبعاد الشامل أن يحدث ثورة في إدارة الكوارث، كما يمكن محاكاة الكوارث الطبيعيّة، مثل الزلازل والفيضانات، للتنبّؤ بالأضرار المحتملة وصياغة خطط إخلاء فعّالة عند اللزوم، كما يمكن أن تغيّر هذه التكنولوجيا قواعد اللعبة في المناطق المعرّضة للكوارث، وتنقذ الأرواح وتقلّل من الأضرار الّتي تلحق بالممتلكات، وفي صناعة الترفيه، يصبح دمج بيئات العالم الحقيقيّ في تجارب الواقع الافتراضيّ قد يؤدّي أشكال جديدة من سرد القصص والتجارب التفاعليّة.
ومع ذلك، فإنّ تحقيق نموذج ثلاثيّ الأبعاد عالميّ يأتي مع مجموعة من التحدّيات التكنولوجيّة والأخلاقيّة، وواحدة من العقبات التقنيّة الأساسيّة هي الحصول على البيانات، حيث تعتمد جودة ودقّة النموذج ثلاثيّ الأبعاد بشكل كبير على دقّة البيانات الّتي يتمّ جمعها، إذ ستحتاج المصادر المتعدّدة، مثل الأقمار الصناعيّة، وأجهزة استشعار LiDAR (اكتشاف الضوء وتحديد المدى)، والطائرات بدون طيّار، إلى التعاون بسلاسة لالتقاط المعلومات من وجهات نظر ودقّة مختلفة.
ويمثّل تفسير هذه الكمّيّة الهائلة من البيانات ودمجها في نموذج متماسك أيضًا تحدّيًا كبيرًا، حيث تتطلّب معالجة مجموعات البيانات الشاملة هذه وتقديمها قوّة حوسبة هائلة وخوارزميّات فعّالة لضمان إمكانيّة الوصول والاستجابة في الوقت الفعليّ، ويتطلّب هذا تقدّمًا في تخزين البيانات وسرعة المعالجة وخوارزميّات التعلّم الآليّ.
بالإضافة إلى ذلك، تدخل الاعتبارات الأخلاقيّة في الاعتبار، لا سيّما فيما يتعلّق بالخصوصيّة والأمن، حيث تثير عمليّة رسم خريطة العالم بالتفصيل مخاوف بشأن المراقبة وإساءة الاستخدام المحتملة لهذه البيانات، ويعدّ تحقيق التوازن بين الانفتاح والخصوصيّة أمرًا ضروريًّا لمنع انتهاك الحقوق الفرديّة وإساءة استخدام المعلومات الشخصيّة.
ويثير تحوّل العالم إلى نموذج ثلاثيّ الأبعاد العديد من المخاوف المشروعة، والخصوصيّة هي أحد أهمّ الاهتمامات في هذا المجال، نظرًا لأنّ النموذج يهدف إلى التقاط كلّ تفاصيل البيئة المادّيّة، فإنّه يسجّل عن غير قصد المساحات الخاصّة والأنشطة الحسّاسة المحتملة، كما تثير احتماليّة حدوث إساءة، مثل المطاردة أو المراقبة غير المصرّح بها، علامات التحذير بشأن الخصوصيّة الفرديّة.
وأكّدت أبحاث أجرتها Geospatial World على أهمّيّة مراعاة جودة البيانات ودقّتها في النمذجة ثلاثيّة الأبعاد، حيث يسلّط التقرير الضوء على كيف يمكن أن تؤدّي الأخطاء في النموذج إلى قرارات معيبة في التخطيط الحضريّ والتطبيقات الهامّة الأخرى، وهذا يؤكّد الحاجة إلى أساليب قويّة لجمع البيانات وعمليّات مراقبة الجودة الدقيقة.
ووفقًا لدراسة نشرت في المجلّة الدوليّة لعلوم المعلومات الجغرافيّة، فإنّ المخاوف المتعلّقة بالخصوصيّة والمراقبة في النمذجة ثلاثيّة الأبعاد لها ما يبرّرها، حيث يؤكّد الباحثون على ضرورة تنفيذ ضمانات صارمة للخصوصيّة وتعزيز الوعي العامّ بالآثار المحتملة لمثل هذه النماذج، وفي مجال الأمن، يقترح تقرير صادر عن مؤسّسة RAND أنّه لا ينبغي الاستهانة بالمخاطر المحتملة لاستغلال نموذج ثلاثيّ الأبعاد عالميّ للأنشطة الإجراميّة، كما يقترح التقرير إطارًا أمنيًّا شاملًا لمعالجة نقاط الضعف وضمان الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا.