يُعرض حاليا فيلم “الضربة الخفية” (Hidden Strike) على منصة نتفليكس، وفي دور العرض السينمائية في الشرق الأوسط والعالم، ويشارك في هذا العمل بطلان يتمتعان بالشهرة والجاذبية، وهما جاكي شان وجون سينا، فكل منهما برع في مزج الأكشن والكوميديا.
وبالإضافة إلى النجمين المذكورين، هناك عامل جذب آخر للجمهور العربي، وهو مشاركة الممثل والمغني والملحن هاني عادل والممثلة ليلى عز العرب في أدوار بسيطة. فهل استطاع الفيلم استغلال الفرصة المتاحة له بالجمع بين بطلين في أفلام الأكشن لهما جمهور واسع؟
الحاجة لحبكة مقنعة
تدور أحداث فيلم “الضربة الخفية” في صحراء بالشرق الأوسط، حيث تعمل شركة على استخراج النفط، وعلى الجانب الآخر هناك عصابة تهدف إلى سرقة هذا النفط، ولذلك تداهم الموقع، وينقذ أغلب العاملين رجل القوات الخاصة “دراغون لو” (يلعب دوره جاكي شان) وفريقه، وسريعا ما نعرف أن سبب موافقة “لو” على المهمة هو وجود ابنته (مي) بين العاملين في موقع النفط، وهو لا يهدف فقط إلى إنقاذها، ولكن لاستعادة علاقته بها، التي دمرها غيابه عنها خلال طفولتها.
على الناحية الأخرى، “كريس” (يلعب دوره جون سينا) جندي مرتزق سابق، قرر -بعد مقتل والده أمام عينيه- الاعتزال والتفرغ لرعاية مجموعة من الأيتام من أبناء الصحراء، ولكن بسبب نقص الماء، ورغبته في مساعدة أهل القرية، يقرر العودة لمهمة أخيرة، يظن أنها ضد جماعة من المجرمين.
لكن كريس يكتشف أنه مخلب قط في أيدي الأشرار، ونتيجة لذلك يتراجع، وينضم إلى الصيني “لو” في نضاله لتحرير العاملين في شركة النفط.
الفيلم عبارة عن سلسلة من مشاهد الأكشن، وتتخللها بعض النكات بين البطلين، مع محاولات لصبغ المسعى الخاص بهما بمشاهد إنسانية، فتارة نجد الأمر يدور حول استعادة الأب العلاقة بينه وبين ابنته، وتارة أخرى مساعدة أهل القرية من الفقراء الذين قد يموتون إن لم يساعدهم البطل.
لم تكن تلك “المبررات الأخلاقية” مقنعة بما فيه الكفاية، فلم يعتذر الأب عن غيابه، أما كريس، فيبدو أمره أكثر فجاجة وقد تلبس “عبء الرجل الأبيض” القادم من الغرب حاملا على كتفيه مسؤولية إنقاذ الأعراق الأخرى (أهل الصحراء) متجاهلا تأثير الوجود الغربي في المنطقة العربية ومساهمته هو شخصيا في قضايا اغتيالات وتفجيرات سابقة، ولكن بعدما استيقظ ضميره قرر قضاء عمره في الغناء للأيتام والبحث عن الماء لهم.
تنبع مشكلة الفيلم من افتقاره لحبكة منطقية، أو بناء جيد، ويظهر ذلك حتى في أبسط الأشياء، فعلى سبيل المثال، العامل الأساسي لجذب الجمهور للفيلم هو اللقاء بين اثنين من نجوم أفلام الحركة، الأمر الذي يتأخر لأكثر من ساعة في الفيلم، لتبدو الأحداث السابقة على هذا اللقاء كما لو أنها ملء فراغ، ولأن اختبار البطلين أمام بعضهما بعضا ضروري، فقد بدأ هذا اللقاء بمعركة باليدين بينهما، لم تنته إلى شيء، ولكن سريعا ما يتحولان من دون سبب منطقي إلى صديقين.
ملخص لمساوئ المؤثرات الرقمية
يكرس عديد من المخرجين الكبار أمثال كريستوفر نولان أنفسهم للتحذير من استخدام المؤثرات الرقمية أو تقنيات الـ”سي جي آي”، باعتبارها دخيلة على الأفلام، وتقلل من أصالتها، بينما على الجانب الآخر تميل الاستوديوهات الكبرى للإفراط في استخدامها لإضفاء عامل الإبهار.
يصلح فيلم “الضربة الخفية” مثالا حيا على كل التحذيرات من استخدام الـ”سي جي آي”، فقد تحول بفضلها إلى أقرب ما يكون للعبة فيديو، من دون أي لمسة واقعية، ولا ينطبق ذلك فقط على مشاهد التفجيرات أو القتال، بل ينسحب حتى على مشاهد القرية الصحراوية البسيطة، التي تبدو كما لو أنها خارجة من إحدى قصص ألف ليلة وليلة.
ومع التشابهات العديدة بين الفيلم وأعمال سينمائية رائدة أخرى، ظهرت هذه العيوب بشكل أوضح، وبدا الفيلم كأنه نسخة قليلة الميزانية من عمل آخر عظيم، إذ يبدو “الضربة الخفية” خليطا من الفيلم الحائز على عديد من الجوائز “ماكس المجنون: طريق الغضب” (Mad Max: Fury Road) وأفلام “جون ويك” (John Wick).
وقد أخذ من الأول مشاهد مطاردات السيارات في الصحراء، بل تصميم بعض السيارات كذلك، في حين أخذ من الثاني مشاهد الأكشن السريعة، مع حركة الكاميرا، ولكنه أفرط في استخدامها بشكل جعل بعض اللقطات تسبب الدوار للمشاهد، وفي الوقت ذاته لا توحي بأي معنى حقيقي سوى استعراض لإمكانيات التصوير.
وافتقر الفيلم إلى أهم ما قد يميزه، وهو أسلوب جاكي شان في تقديم مشاهد الحركة والقتال، الذي كان يجعلها تبدو كرقصات آسيوية، موجعة لأعدائه، ولكنها محببة لمشاهديه.
في “الضربة الخفية”، يقدم جاكي شان مشاهد باهتة، سواء وحده أو مع جون سينا، وربما يرجع ذلك إلى كبر عمر الممثل الذي يقترب من 70 عاما، وكذلك إلى سوء إدارة المخرج، ومصمم مشاهد القتال الذي لم يستطع الاستفادة من التاريخ الخاص لبطله الذي يحمل الفيلم اسمه.
حقق فيلم “الضربة الخفية” معدلا متواضعا للغاية على موقع “روتن توماتوز” بلغ 17% من النقاد، و58% من المشاهدين، ورغم كونه تجربة جديدة يشارك فيها ممثلون عرب، فإنه لن يعتبر نقطة انطلاق جيدة لكل من هاني عادل وليلى عز العرب في ظل المستوى العام للفيلم.