مشاهد اقتحام البنوك والسرقات تحت تهديد السلاح تكررت بشكل ملفت في الأشهر الأخيرة، ليصارَ إلى القول إن ما جرى لم يكن حالةً عابرةً، بل سطواً منظماً، كان بعضها لا يستغرق سوى بضع ثوانٍ للانتهاء من السطو ومغادرة الموقع.
إن التعاطي من زاوية اقتصادية مع هذا الملف يظهر لنا حجم الخسارة التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني، ليس برزم المال التي سرقت، بل بشيء أبعد من ذلك بكثير، إنه هدرُ الأمان الذي يستقطب الاستثمارات، وتضييع فرص جذب رؤوس الأموال التي ينادي بقدومها المستوى السياسي في البلاد، حيث كرر ذلك الرئيس محمود عباس عند زيارته الصين، والتي دعها رجال أعمالها للاستثمار في فلسطين، وكذلك كرره رئيس الوزراء في آخر زيارة له إلى مصر.
تكرار عمليات السطو على البنوك، وهي عصب وشريان الاقتصادات في العالم، معناه ضربٌ لأي فرص للاستثمار القادم من الخارج، أو حتى المحلي، فالبيئة غير الآمنة طاردة لرأس المال بكل تأكيد.
لكن، من المسؤول عن هذه المصيبة الاقتصادية؟ وهل المستوى السياسي عاجز عن حماية أولى أساسيات البناء الاقتصادي ألا وهو الأمن؟
إن حماية البنوك العاملة في فلسطين وجميع المؤسسات الاقتصادية، هي مسؤولية القيادة السياسية، التي يجب أن تعطي تعليمات مشددة بعدم التهاون والضرب من حديد لكل من يحاول زعزعة الأمن الاقتصادي الفلسطيني، وفرص النمو والاستثمار.
على وزارة الداخلية وجميع الأجهزة الأمنية وضع خطط أمنية واضحة للتعامل مع هذه الحالات التي لم تعد فردية أو هامشية، بل باتت مسلسلاً لا يُعرف متى وأين حلقته المقبلة.
كذلك فإن حماية البنوك تقع على عاتق سلطة النقد وجمعية البنوك التي يجب أن يكون لها موقف حازم حيال هذه الجريمة الاقتصادية المتكررة، وأن تضع حلول منطقية لعدم تكرار هذه الجرائم، أو الحد منها.
إن الخاسر في عمليات السطو على البنوك ليس البنك، لأن أمواله مؤمّنة، بل الاقتصاد الفلسطيني بشكل كامل، هذه الجرائم قتل لفرص العمل المتوقعة من الاستثمارات الجديدة القادمة من الخارج، وفي ظل واقعٍ هشٍّ أمنياً فإن هذه الفرص ستتبخر قبل رؤيتها على أرض الواقع.
كذلك فإن الرابح الوحيد في هذه المعادلة، هو الذي يؤوي اللصوص الهاربين عبر فتحات الجدار أو الطرق الالتفافية، والذي لا يألوا جهداً في نسف أي استثمار فلسطيني، وضرب شريان وعصب مؤسسات الدولة الفلسطينية.
الجريمة لا تقف عند سرقة مليونٍ أو مليونين، الجريمة هي سرقة اقتصادٍ بأكمله، وتهديد لنهضة شعب! فهل سيجد هذا الملف من يُعالجه بـ”حق الله”؟!