بعد نحو 37 عاماً من العمل كصياد أسماك في شمال سوريا، اضطر إسماعيل الهلال إلى التخلّي عن المهنة الأقرب إلى قلبه بعدما لمس وزملاؤه تراجعاً في الثروة السمكية في نهر الفرات المهدّد بالجفاف.
ويقول الأب لسبعة أطفال: “قضيت حياتي في البحيرة، لكنني تركتها العام الحالي مجبراً”، مضيفاً “لم أعد قادراً على العيش من صيد السمك”.
واعتاد الهلال (50 عاماً) الصيد في بحيرة الأسد، وهي بحيرة اصطناعية يشكّلها سدّ مقام على نهر الفرات في ريف الرقة الشرقي، وتغطي مساحة قدرها 630 كيلومتراً مربعاً، وتبلغ سعتها 12 مليون متر مكعب، ما يجعلها أكبر احتياطي مياه في سوريا.
لكن مع انخفاض منسوب المياه في البحيرة والجفاف الذي يهدّد نهر الفرات منذ بضع سنوات، فضلاً عن ارتفاع التلوث والصيد خارج إطار القانون خصوصاً في مواسم بيض السمك، تراجعت الثروة السمكية تدريجيا، وفق ما يقول الصيّادون.
ويوضح الهلال: “تخلّى صيادون كثر عن المهنة جراء تراجع الأسماك وارتفاع تكاليف معدّات الصيد”.
ويضيف “في السابق كان ثمة توازن بين سعر لوازم الصيد وسعر بيع السمك وكمياته، لكن الصياد اليوم بات عاجزاً عن اصطياد خمسة في المئة مما كان يصيده سابقاً”.
في مطعم للسمك في الطبقة، ينهمك الهلال في شوي أسماك من أنواع وأحجام متعددة، بعدما بات خبيراً بشأنها. ويشرح كيف انخفض تكاثر السمك إلى درجة بات معها الصيادون يواجهون صعوبة في العثور على أنواع عدة مثل سمك البوري.
وبعدما كان المطعم يعتمد بشكل رئيسي على صيادي البحيرة، بات يشتري السمك النهري من السوق لتلبية طلبات الزبائن.
وانخفض منسوب مياه بحيرة الأسد، بحسب منظمة “باكس” للسلام الهولندية غير الحكومية، أربعة أمتار بين عامي 2022 و2023.
“وضع تعيس”
فوق البحيرة التي تطفو أسماك نافقة على ضفافها بين الحين والآخر، تحلّق أسراب من طيور الغراب، بينما تغطّي كميات كبيرة من الطحالب أجزاء منها، ما يعرقل حركة قوارب قليلة تتجوّل فيها ويشكو الصيادون منها.
ويؤدي نمو الطحالب التي تتكاثر عادة جراء التلوث، وفق خبراء، الى انخفاض كمية الأكسجين في المياه، ما يتسبّب بتراجع الثروة السمكية ونفوق الأسماك في أحيان كثيرة.
وتنتشر على ضفاف البحيرة مراكب صيد فارغة تنتظر صيادين قد لا يعودون إليها.
قرب قرية الطويحينة الواقعة على ضفاف البحيرة، يرمي الصياد علي الشبلي (37 عاماً) شباكه، آملاً أن تملأها أسماك متنوعة بات الحصول عليها بعيد المنال.
ويقول “في السابق، كنا نصطاد خمسين كيلوغراماً أو أكثر، أما اليوم فبالكاد نصطاد كيلوغراماً أو اثنين وأحياناً لا شيء”.
ويضيف “وضع الصيادين هنا تعيس، نعمل يوماً ونتوقّف 15 يوماً”، لافتاً إلى أن “وضع السمك اليوم صعب بسبب انخفاض مستوى المياه وتلوث البحيرة”، فضلاً عن الصيد العشوائي.
مع معاناته في توفير احتياجات عائلته المؤلفة من زوجته وثلاثة أطفال، عدا عن والده المريض، يتردّد الشبلي بوتيرة أقل إلى البحيرة. ويخشى اليوم ألا يتمكن من تعليم أطفاله المهنة التي ورثها عن جده ووالده.
“أطنان من السمك”
في سوق السمك في مدينة الرقة، يبحث الزبائن عن أسماك طازجة يغرقها البائعون بمكعبات ثلج تفادياً لتلفها مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.
وترتفع أصوات الباعة أثناء تنظيف السمك وغسله أمام الزبائن، وهم يشكون أيضاً من تراجع كبير في المدخول جراء انخفاض الكميات التي تصلهم من صيادي الفرات.
ويقول أحد الباعة راغب إسماعيل (45 عاماً) من متجر لا يحتوي إلا على بضعة صناديق من السمك، “كانت المحلات تحوي أطناناً من السمك، لكن أكبر محل اليوم لا يحوي إلا مئتي كيلوغرام”، مع ارتفاع درجات الحرارة وعدم القدرة على توفير التبريد بشكل دائم.
ويتابع “في فصل الشتاء، نصدّر السمك الى العراق، لكن ذلك يتراجع بشدة خلال الصيف كوننا نستهلك الكثير من الثلج لنحافظ على الجودة، ولا سيارات تبريد متوفرة لنقله”.
ويضيف “سابقا كانت كميات الأسماك كبيرة في الرقة، أما اليوم فالزبائن موجودون لكنّ السمك لا يكفي”.