لقد صادقت الهيئة العامة للكنيست يوم الإثنين ٢٤ من شهر تموز الجاري. بالقراءتين الثانية والثالثة وبأغلبية ٦٤ عضوا مقابل تغيب ومقاطعة المعارضة التصويت، على مشروع قانون أساس: القضاء (تعديل رقم ٤) والذي بموجبه أبطلت الكنيست حجة المعقولية، والتي يستخدمها الجهاز القضائي في إسرائيل منذ عشرات السنوات، من أجل تفحص ورقابة قرارات الحكومة ورئيسها ووزرائها.
من الجدير بالذكر بأن حجة المعقولية هي حجة مركزية في إطار القانون الإداري التي يستخدمها قضاة المحكمة العليا والمحاكم الإدارية كأداة رئيسية لممارسة الرقابة القضائية على قرارات الحكومة ووزرائها ورئيسها وقرارات السلطات الإدارية الأخرى وكانت المحكمة العليا استعملتها عدة مرات من أجل إلغاء وإبطال قرارات لرؤساء حكومات ووزراء وآخرين والقضية الأشهر والأبرز هي منع الحكومة تعيين كل من بنحاسي ودرعي كوزراء نتيجة لتقديم لوائح اتهام ضدهما، كما يجب التنويه أن التعديل أقتصر في هذه المرحلة، على منع مراقبة الحكومة والوزراء وبقيت إمكانية استخدام حجة عدم المعقولية وتفعيلها ضد المنتخبين بالسلطات المحلية والموظفين في القطاع العام كما أرادت الحكومة منذ الأعلان عن الانقلاب في شهر كانون الثاني.
إلغاء وتقليص علة المعقولية سيحد بشكل كبير من إمكانات تفعيل الرقابة القضائية على الحكومة وسيكون من الصعب على قضاة المحكمة العليا التدخل في المسائل التي يتخذ فيها الوزراء قرارات من منطلقات اعتباطية، تعسفية، فاسدة أو متطرفة، ومنافية لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أننا نعتقد بأن نظام الحكم في إسرائيل ليس ديموقراطيا وإنما إثنوقراطيا يمنح الامتيازات للمجتمع اليهودي، إلا أن المجتمع اليهودي هو الوحيد الذي يتمتع ببعض مركبات النظام الديموقراطي بما في ذلك الحماية من قبل الجهاز القضائي.
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القوة الحقيقية لهذة الحجة ليست منوطة بتفعيلها من قبل الجهاز القضائي ولكن باستخدامها من قبل المستشارة القانونية للحكومة بشكل عام والمستشارين القانونيين في كل واحد من المكاتب الحكومية. حيث إنه كلما أرادت الحكومة، رئيسها أو وزرائها اتخاذ قرار غير معقول بشكل واضح، كان بإمكان الاستشارة القانونية تحذيرهم ومنعهم من اتخاذ القرار بادعاء أن القرار لن يجتاز إمتحانات المحكمة العليا.
وبالرغم من أن تقليص علة المعقولية يحد من صلاحيات المحكمة العليا وقدرتها على التدخل في قرارات الحكومة والمنتخبين في قضايا التعيينات وتحرير الموظفين وفصلهم إلا أن المحكمة العليا والمحاكم الإدارية الأخرى بإمكانها التدخل من خلال استخدام وسائل وأدوات وعلل قانونية أخرى متوفرة ومتاحة في القانون الإداري، مثل التمييز، الاعتباطية، عدم التناسب، تضارب المصالح، عدم توفر بنية متماسكة من الحقائق، عدم وجود نية حسنة، اعتبارات غريبة وغير موضوعية وعدم منح الحق بالادعاء.
والسؤال الذي يطرح على أثر المصادقة على إبطال حجة المعقولية في إطار قانون أساس، وبعد تقديم عدة التماسات من قبل نقابة المحامين ومنظمات العمل المدني المطالبة بإلغاء القانون (سوف تناقش المحكمة العليا الإلتماسات في شهر أيلول المقبل وكما يبدو من هيئة موسعة)، هل هنالك صلاحية للمحكمة العليا تتيح للمحكمة العليا إلغاء هذا التعديل.؟ وخصوصا أنه حتى الآن لم يتم إلغاء أي قانون أساس من قبل المحكمة العليا، وباعتبار أن قوانين الأساس تشكل فصولا في دستور مستقبلي ومكانتهم أرفع وأرقى من القوانين العادية بالرغم من أن عملية تشريعها لا تختلف عن القوانين العادية، ولذلك من الممكن تعديل قوانين الأساس القائمة أو سن قوانين أساس جديدة بسهولة.
بالرغم من عدم إلغاء أي قانون أساس حتى الآن إلا أن المحكمة العليا قد ناقشت عدة مرات، إمكانات التدخل بتعديلات قانونية في إطار قوانين الأساس، وقد أقرت المحكمة مسوغين يتيحان التدخل ولكن فقط في حالات نادرة ومتطرفة جد: الأول: في حال أن التعديل هو “تعديل دستوري غير دستوري”، بمعنى أنه يتعارض والمبادئ الأساسية لدولة إسرائيل كدولة “يهودية وديموقراطية”. والثاني: في حالة استخدام الكنيست لصلاحياتها كسلطة تأسيسية بشكل سيء “، عل سبيل المثال عندما عندما يتم التحايل وتشريع قانون عادي بلباس قانون أساس أو عدم أستعمال قانون الأساس لحالات عامة بل لتقديم مصالح شخصية.
عدم إلغاء التعديل القانوني سوف يضعف الجهاز القضائي ويقيد حريته وصلاحياته ويمس بسلطة القانون ويستأنف على التوازنات بين السلطات الثلاث: التشريعية، القضائية، التنفيذية ويقوي السلطة التنفيذية على حساب السلطتين الأخريين وسوف تعزز إستبداد السلطة التنفيذية.
الانقلاب القانوني، كما أشرنا في مساهمات سابقة، يهدف إلى تغيير النظام السياسي، وحجة المعقولية هي حلقة أولى في إطار مخطط كبير وشامل يشتمل على سلسلة تتكون من أكثر من ١٦٠ قانونا في مجالات الحياة المختلفة تنوي الحكومة سنها.
إلغاء حجة المقولية تهدف إلى إنقاذ نتنياهو من الملفات القانونية والتهم الجنائية الموجهه له، من خلال إقالة المستشارة القانونية وتعيين آخر مكانها يمكنه التراجع عن التهم. كما يساهم هذا الإلغاء إتاحة الفرصة لليمين المسياني مواصلة الاستيطان ولليهود الحريديم الحصول على حكم ذاتي وفرض القيم الدينية على المجتمع الإسرائيلي.
من الجدير بالذكر، بأن المستشارة القانونية للحكومة والمستشار القانوني للجنة الدستور، القانون والقضاء أبديا معارضتهما للتعديل المقترح والذي يهدف إلى تقليص علة المعقولية.
نؤكد مرة أخرى ما قلناه في مقال سابق، أنه وبالرغم من” أن المحكمة العليا والمحاكم الإدارية وهما ليستا من المحاكم المنصفة والعادلة في كل ما يخص حقوق الشعب الفلسطيني بشكل عام والمجتمع العربي في الداخل بشكل خاص وتعتبران جهاز يعمل في خدمة السياسة والغايات الكبرى للدولة ومنحها الشرعية، إلا أن تقليص علة المعقولية في سياق وجود حكومة من أكثر الحكومات فاشية وتطرفا وعنصرية، وفسادا يقلص إمكانية مراقبة وابطال قرارات المنتخبين الذين توجههم في المقام الأول مصالحهم وتنفيذ برامجهم ولذلك سيكون لهذه الخطوة تبعات وإسقاطات سيئة يترتب مواجهتها قانونيا. سياسيا وشعبيا لأنها بمثابة حلقة في سلسلة خطوات قادمة تلغي الهامش الضيق جدا من الديمقراطية في النظام الإثنوقراطي “.
ينبغي على المحكمة العليا التدخل الفوري وإلغاء التعديل المذكور، لكون القانون يعتبر” تعديل دستوري غير دستوري “، ولأن الكنيست استخدمت صلاحياتها كسلطة تأسيسية بشكل سيئ. في حال عدم اتخاذ هذا القرار فستحكم المحكمة العليا على نفسها بالانتحار.